ما بعد المُقَدِّمة



لا أدري كيف بدأتُ كتابة اليوميّات ولم أدرِ أيّ حافز قام بتحريضي على كتابة ذكريات قصّها عليّ والدي أبو خالد مرارًا. لكنّي أدري أنّني أردْتُ من خلال كتابتي لليوميّات أن ابتعِد عن كتابة مُجرّدة لذكريات إنسان ورفيق وأخ وصديق وعزيز ومهجة قلبٍ، ألا وهي ذكريات والدي.
لم أرِدْها لوالدي فقط، ولم أضعْها تحت عنوان يوميّات إبراهيم تركي، حتّى لا يكون الاسم محصورًا بوالدي وحسرًا لوالدي. أردْتُ أن يكون اسم برهوم مجازيًّا، لأنّ برهوم يمكنه أن يكون أيّ رفيق من رفاق الحزب الشّيوعي، أيّ رفيقٍ من رفاق الكدح والعمل والدّفاع عن العامل والمرأة والأرض  والعرض والمسكن والبيت وأيّ رفيق من رفاق  الحزب الّذين ناضلوا ضدّ الاحتلال أينما كان وفي أيّ وقت كان، وأيّ رفيق من رفاق الحزب الّذين اشتركوا في توزيع أدبيّات وكلمة الحزب، بعد يوم عمل مضنٍ، من الإتّحاد والغد والجديد والدّرب وزو هديرخ وكول هعام أو توزيع المناشير في مناسبات نضاليّة رسميّة أو طارئة أو إلصاق ملصقات ثوريّة على أنواعها وحسب مناسباتها وأيّ رفيق من رفاق حراسة وحماية مباني الحزب ومؤسّساته ومؤتمراته، الرّفاق الذين صانوا وما زالوا يصونون الحزب والجبهة من أيّ ظالم إذا ظلم أو حاسد إذا حسد في هذه البلاد الواقعة ما بين السّماء المرفوعة والأرض الموضوعة، والّتي كُتبَ عنها الكثير وعُرِّفت بالأرض المقدّسة، لكنّه كُتِبَ عليها أن تبقى تسبح بالدّم وترقص في حلقاتٍ، رقصةَ الموت.
أردْتُ منها سرد سيرةٍ جامعةٍ لرفيق ما زال ينبض قلبه عطاءً وحُبًّا وعِشْقًا لرفاقٍ شيوعيّين صدقوا وصادقوا وعاهدوا وصبروا وصابروا ورابطوا أبدًا على هذا الطّريق القويم.
أردْتُ منها سردَ سيرةِ رفيقٍ ما زال شريانه وشرايين رفاقه تنبض شجاعةً ورُشْدًا وحُبًّا وعشْقًا لوطن مُغْتَصَبٍ وشعبٍ سُلبَت حرّيّته ولحزبٍ شيوعيٍّ مدافعٍ جبّارٍ دون كللٍ أو مللٍ كثُر المُتطاولون عليه للنّيل منه فاشلين حتمًا.
أردْتُ سردَ سيرةِ رفيقٍ لم ينضب عطاؤه وعطاء رفاقه الزّاخر والزّاهر وأمله وأملهم بالنّصر الآتي لا محالة، مهما كبُرت وعظُمت التّحدّيات ومهما كانت الرّياح الآتية، عاتية، ليكونوا عاتين على العواتي.
أردْتُ سردَ سيرةِ رفيقٍ من رفاقٍ عاهدوا حزبهم وشعبهم ووطنهم، فمنهم قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، لأنّ الحزب عوّدنا وتعوّدنا أن نراه، ونحن واثقون منه، أنّه بعد كلّ مرحلة ظالِمة ومُظلِمة  تَلِمُّ به، كان يخرج منها شيوعيًّا منتصِبًا شامِخًا عزيزًا وقويًّا أو يزيد، مُنْبعِثًا كانبعاث طائر الفينيق من بين الرّماد.
أردْتُها يوميّات رفيقٍ وأيّ رفيق من رفاق قاعدة الهَرَم التّنظيميّ الحزبيّ، فهل تكون قمّةٌ ورأسٌ للهَرَمِ دون قاعدة متينة؟ وكيّ يكون رأسُ الهَرَمِ ثابِتًا معطاءً قويًّا صامِدًا وشابًّا علينا أن نحميهِ من الهَرَم والشّيخوخة، ليكون دائم الثورة والتّطوّر والتّجدّد والانبعاث. وكيف ذلك؟
الجواب جاهز وعليه أن يكون قيد التنفيذ البارحة قبل اليوم! هو التّثقيف الحزبيّ، النّظري والعملي، التّنظيمي والتّنفيذي، ليكون سلاحًا يزيدنا قناعةً وثباتًا وإيمانًا وعزمًا وأملاً بعدالة قضايانا الطّبقيّة والعمّاليّة والقوميّة والاجتماعيّة....... 
القناعة والإيمان كنزٌ لا يفنى، يزيدان الرّفيق قوّة وصمودًا على المبدأ، لوصول الهدف المنشود، حيث أنّ الإيمان القويّ والثّابت يُدْخِلان الجمل من خُرْم الإبرة أو حتى يسمحان لكَ بالمسير على وجه البحر وكأنّك تمشي البطحاءَ، وبين لُجَجِهِ دون الغرق، لتُصبح اللجّاوي الّذي لا يخشى الصّعاب ولا البحرَ الهدّار كسور عكّا أو يُعلِّمانِك العومَ كسمكة تسبح عكس التّيّار، فإن قلّ الإيمان أو تزعزع أو شكّكْتَ بالهدف، تفشل وتغرق أو حتّى يسحَبُك التّيّار وبالتّالي تصبحُ كالباقي دون أيّ فرق أو مُمَيِّز وتفقد طابعَك وصفاتك وميزاتك وخصوصيّتك كالغُراب الّذي أراد محاكاة الحجلة في تبختُرِها. وتكون المأساة عظيمة لنهاية وخيمة. 
أردْتُ من هذه اليوميّات أن أكتب كلمة وفاء وعهد لبرهوم البُلْشُفيّ، وحزبه وجبهته، شاكرهم جميعًا على هَدْيهم لي ولغيري من الرّفاق على هذا الطّريق الّذي لولاهم ما كُنّا لِنهتَدي إليه وما كُنّا أقوياء.
أردْتُها كلمة تقدير وشرف وعزّ وشُكر للسّالفين وكلمة تثقيف وتعريف للنّاشئين على الّذين حافظوا على الكرامة والإباء وعِزّة النّفس لشعبٍ بقي في وطنه بعد احتلاله ولم تُرهِبْهُ يد البطش والإرهاب والمصادرة. 
إنّ الوصول إلى الهدف لا يكون بالاستجداءِ أو الاسترحامِ لأنّهما لا يُجديان نفعًا ولا يكون بوَضْعِ أَنْفَسِ الثياب عند رُكبتَيْ الإله زَفْس، ليشفعَ، من موقعه المسؤول عن جميع الآلهة، عند الإله آغنور أحبّ الأرباب إلى الشَّرّ، ليوصيه آمِرًا أن يكفَّ ويُبعِد عنهم شرَّه وبهذا يتفادى القومُ غضب الأشرار.
فالحقّ يُسترَدّ ويُنتزَع من فم الأسد ووصول الهدف المنشود يكون بخير العمل والأمل وإنّ التمنّي لتحقيق الأماني شيء جميل لحلم رائعٍ لكنّه ناقص إن لم يكن مقرونًا بالمثابرة والمواظبة والبأس، فما قاله أمير الشّعراء أحمد شوقي ينفعُنا في أيّامنا هذه أيضًا:
وما نَيْلُ المطالبِ بالتّمنّي     ولكن تؤخَذُ الدُّنيا غلابا
والغلبة حقٌّ لأهلِ الحقِّ ونحن أهلُ حقٍّ وأهلٌ للحقّ، ويحقّ علينا الحقّ.

حيفا

د. خالد تركي
الجمعة 15/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع