عاش جورج - مات الحكيم؟



* وداعاً يا سيد العطاء والتواضع والمصداقية والشجاعة، والوعد ان نبقى امناء على حماية القضية والشعب من التبديد والضياع، وحماية الاهداف الوطنية التي ناضلنا من اجلها *

تأخرت رغماً عني في الكتابة عن رحيل الدكتور جورج حبش، القائد المؤسس لحركة القوميين العرب، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بسبب وجودي في معتقلات الانقلاب الحمساوي.
مساء السبت الموافق السادس والعشرين من كانون الثاني الماضي سمعت بطريق الصدفة المحضة عن وفاة الحكيم، عندما مر احد كوادر حماس من جانب زنزانتي ومعه راديو مفتوح على اذاعة الاقصى الحمساوية، فأوردت خبراً مشوشاً عن وفاة القائد الوطني والقومي فنهضت من مكاني، وصرخت على حامل الراديو وسألته، هل صحيح ما سمعته عن وفاة الحكيم؟ فقال: نعم. عدت الى مجلسي وعدت بخيالي سنوات طوالاً، عدت الى سنة 1970 عندما التقيت بالدكتور جورج حبش عندما حضر الى مكتب الارض المحتلة التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للسلام عليّ وعلى عبد الكريم وعصام بعد وصولنا من الارض المحتلة الى عمان، وكرت الذاكرة في استحضار الصور واللحظات التي عايشت فيها الحكيم بحلوها ومرها، وكانت اهم المحطات بالنسبة لي في التعامل مع الرجل، هي عاما 1973 و1974 عندما كان الحكيم يتردد الى مكتب الارض المحتلة في عمارة جلول، شارع جلول في بيروت الغربية حيث كنت اقيم، ومرحلة مرضه في العام عندما دخل مستشفى الجامعة الامريكية في مطلع الثمانينيات حيث كنت احد الذين كلفوا مع العديد من قيادات وكوادر الشعبية في حماية الامين العام، والمحطة الثالثة بعد عودته من احتجازه في باريس، حيث اختارني من بين مجموعة من المرشحين لاعداد كتاب عن تجربته في فرنسا، وقد اصدرت الكتاب عن دار الاهالي السورية بعنوان "رجل يهز فرنسا". وقد اتيح لي ان نجري حوارات متشعبة، مع د. حبش وحرمه السيدة هيلدا حبش، التي رافقته الى باريس، والمحطة الاخيرة كانت في اعقاب اتفاق اوسلو، والتي شهدت نوعا من التنافر والاختلاف. ليس في الموقف من عيوب واخطار اوسلو على المشروع الوطني، بل في مستوى المسؤولية، التي يجب ان تتحملها قيادة الجبهة تجاه ما جرى في الساحة الوطنية، ونشرت مقالة آنذاك في الثامن والعشرين من شباط 1994 في جريدة "النهار" البيروتية، اثار ضجة في اوساط الجبهة، واعتبر انذاك خروجاً عن المألوف، وتجاوزاً للتقاليد الحزبية المحافظة.
ما عرضته كان جزءاً من التاريخ المتواضع جداً، للتاريخ الطويل، الذي احتله الرجل على مساحة الشعب والقضية الفلسطينية والقضايا القومية العربية والأممية التي اولاها اهتمامه، وتابعها بهمة ونشاط - نجح في بعضها، وفشل في البعض الآخر.
ورغم ان الحكيم اقض مضاجع الدنيا كلها بقيادته لحركة القوميين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الا ان حظ جورج حبش لا يسعفه في تحقيق الاهداف الوطنية والقومية، التي نذر نفسه لها، مع ان الحكيم دخل العقد التاسع من العمر، ووافاه الأجل بعد ثلاثة وثمانين عاماً.
الدكتور حبش كان ثورياً حالماً في كل مراحل كفاحه الطويلة، وكان عظيماً بمصداقيته وشجاعته ونبله وديمقراطيته، التي كرسها اثناء انشقاق الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في شباط 1970، عندما رفض رفضا مطلقا استخدام العنف ضد المنشقين من  الشعبية.
عاش جورج حبش الكفاح التحرري الوطني والقومي بكل جوارحه، وسعى لتعميم الثورة في كل بلاد العرب، لايمانه العميق بأن قضايا العرب، كل متكامل، لا يمكن الفصل الميكانيكي بينها، رغم خصوصيات كل قضية من القضايا وكان دائم البحث والتفكير بالمخارج والحلول للأزمات، التي عصفت بالأمة والشعب والقضية والفصائل وخاصة الجبهة الشعبية. ولم يكن في يوم من الأيام يتحرج في سؤال اي شخص مهما كان موقعه الحزبي عن رأيه في هذه المسألة او تلك. كان عنوانا من عناوين التواضع، كان رمزاً اساسياً من رموز القضية الوطنية والقومية العربية، واذا كان الشهيد الرمز الرئيس ياسر عرفات يمثل ابو الوطنية المعاصرة، فان الحكيم شكل الدعامة الاساسية للوطنية الفلسطينية من خلال موقعه كأمين عام للجبهة الشعبية، ورمزيته الشامخة في الساحة الوطنية، وعطائه الذي لم يتوقف الا مع توقف نبض الحياة في عروقه وشرايينه وقلبه.
عاش جورج حبش.. ومات الحكيم، ولكن اثار وفكر وتجربة الرجل كانت وما زالت وستبقى خالدة في سجل الشعب العربي الفلسطيني والقضية الوطنية والكفاح القومي العربي الديمقراطي.
وداعاً يا سيد العطاء والتواضع والمصداقية والشجاعة، والوعد ان نبقى امناء على حماية القضية والشعب من التبديد والضياع، وحماية الاهداف الوطنية التي ناضلنا من اجلها.

عمر حلمي الغول
الثلاثاء 12/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع