نادر أبو تامر يغمس قلمه بواقع الأطفال



صدرت في الأيام الأولى من شباط 2008 مجموعة من الكتب الجديدة بقلم الاعلامي نادر أبو تامر هي "ساعدني يا أبي"، "أجنحة الملائكة" و "اصغر سائق في العالم"، وهي صادرة من خلال التعاون مع الأستاذ عز الدين عثامنة دار الهدى كريم في كفر قرع ومن خلال التنسيق مع الفنانة التشكيلية ايرينا كركبي والفنان أيمن خطيب في رسم القصص، وكان المؤلف قد أصدر في السنتين الأخيرتين سبعة كتب أخرى هي "سوار تبحث عن سنها"، "رقصة الخضار"، "القرية التي نسيت اسمها"، "كيف صار  رامي يحب العتمة؟"، "جزيرة المطر"، "الشمس لا تزعل من أحد"، و"رامي لا يشبه أحدًا".

 

مؤلف هذه الكتب هو الإعلامي نادر أبو تامر الذي يقدم من خلال الأثير مجموعة من البرامج الإذاعية التي تعنى بشؤون الثقافة والأدب والمسرح والفن والنقد الأدبي ودعم المبدعين المحليين وإتاحة الفرصة لهم لإطلاق العنان لإبداعهم عبر الأثير (برنامج أوراق) وبشؤون الساعة (الوجه الآخر، أجندة)، بالإضافة إلى برنامج شخصي شامل (لقاء نادر).

 

وفي الحقيقة فإن مشروع الكتابة للأطفال هو مشروع صعب وشائك وخاصة لأن من يكتبون للأطفال من المبدعين محليا وعالميا يتجشمون عناء العودة إلى عالم الطفولة وتقمص مواقف الأطفال والكتابة بلغة تتناسب مع سن الأطفال الذين يكتبون لهم وعنهم، أما مبدعو القصص فعليهم التأكيد على القيم الايجابية التي يرغبون في أن يتبناها الأطفال بعد قراءة أي كتاب وتذويت مضامينه، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن نادر أبو تامر يتحلى بقلم نادر وبحنكة متميزة في التحدث عن عواطف الصغار.

 

الإعلامي نادر أبو تامر معروف كإعلامي ناجح ومحاور ماهر في استدراج ضيوفه في مختلف برامجه الإذاعية ويبدو أن هذه البراعة تفيده أيضا في كتابته للصغار والكبار على حدٍّ سواء مع الإشارة إلى انه ارتأى أن يطلق على مجموعته الجديدة اسم "كبار صغار" كونها تحكي عن الصغار للكبار وتخاطب وجدان الصغار فيحاول نادر أبو تامر أن يكون سفيرا لمشاعر الصغار وعواطفهم في قلوب الكبار.

 

كلنا نعلم ما هي حاجة الأطفال إلى القراءة مما يضطر المبدع على الكتابة بلغة تتناسب مع سن ومعلومات الطفل ومقدراته العلمية كي يقوم بالقراءة.

 

يُشار إلى أن الكتب الثلاثة الجديدة التي نتناولها في هذه القراءة النقدية هي قصص يكتبها المؤلف من واقعنا المعاش، وليست من نسج الخيال: الموت، المخاطر على الطرقات والعنف داخل العائلة.

 

كتاب "ساعدني يا أبي" والعنف داخل العائلة

 كان الكتاب الأول في هذه المجموعة بعنوان "ساعدني يا أبي"، وهي قصة تحكي عن طفلة صغيرة تتعامل معها أمها بالضرب المبرح كلما ارتكبت خطأ. والمبدع نادر أبو تامر لم يذكر اسم البنت لا في بداية القصة ولا في نهايتها، وهو ما يفعله أيضا في قصة "أصغر سائق في العالم".
ينهج نادر أبو تامر نهجا خاصا وفريدا من نوعه في تسخير اللغة وتطويعها من أجل سرد القصة بأسلوب سهل ممتنع. فاللغة بسيطة مثل براءة الأطفال ليؤكد فيها نادر أبو تامر على مدى تعلق البنت بوالديها، بالأب والأم، على الرغم من أن الأم في هذه القصة لجأت إلى العنف تجاه ابنتها، وأفهمتها أنها سوف تعاقبها إذا لطخت الجدران بالرسم على لوحات البيت الداخلية أو إذا كسرت الصحون.
ولما كانت البنت تحب أمها فقد لجأت من خلال الهاتف إلى أبيها في مكان عمله، وطلبت منه أن يعود من عمله مبكرا لكي لا تعاود والدتها استخدام العنف بحقها.
وقد نجح الأب في قصة "ساعدني يا أبي" في إقناع ابنته أن أمها تحبها وبالتالي تتمنى البنت أن تطبع الأم قبلة على جبينها أو خدها مما يساهم في عودة المياه إلى مجاريها.
ويؤكد نادر على بعض القيم والتعاليم التي تؤكد عليها الأديان السماوية كقيمة عدم مواجهة العنف بالعنف، وقيمة طاعة الوالدين ومحبتهما وقيمة المحبة بين الأخوة في البيت الواحد. وهو إلى جانب ذلك إنسان حساس ممعن في الشفافية فلا يلفظ كلمة "وراء" على لسان البنت التي أصابها العنف، فنرى المبدع يستبدل كلمات الراوية بألفاظ أكثر حساسية، فعندما يسأل الأب ابنته أين موطن الوجع في جسمها، يحدد الإجابة بلغة أخرى وبذكاء: "ضربتني في المكان الذي غرز الطبيب فيه إبرته عندما كنت مريضا"، وبالتالي فقد ضحك هذا الوالد وعاد إلى عمله.
الاهتمام بالناحية النفسية للطفل العربي بحيث يتعمق الكاتب بفهم نفسية هذه البنت بطلة القصة.
يؤكد الكاتب على أهمية المسامحة والتسامح في تعامل الأبناء مع أهاليهم.
ويؤكد المؤلف على عملية الخوف باعتبار الخوف شعورا مشروعا وطبيعيا وفي هذه القصة، يتمثل هذا الموقف  بخوف البنت من تكرار العنف من قبل الأم التي تحبها البنت حبا جما. وهي تخاف على أبيها من المرض وتخاف من بقائها وحيدة مع أمها لئلا تلجأ الأم إلى العنف تجاه ابنتها من جديد.
يميز الكاتب بين معاملة الأب والأم لابنهما وبين العلاقة بين صاحب العمل المشغل وعماله في محل العمل. ويؤكد الأب انه لا يقاسي من العنف في عمله، لأن مدير عمله إنسان لا يستعمل العنف والضرب تجاه عماله حتى إذا أخطأوا، ولذلك فإن العلاقة بين الأب ومشغله هي علاقة تقوم على الاحترام المتبادل كشرط أساسي لاستمراره في عمله.


يلجأ المؤلف منذ البداية إلى أسلوب الحوار بين البنت وأبيها من خلال التأكيد على أن ثقة البنت بأبيها لا تتزعزع.
ينتقد الكاتب في هذه القصة ممارسة العنف والضرب من قبل الأهالي بحق أولادهم، وفي حديث لي مع نادر قبيل نشر هذه المقالة أشار إلى انه كتب القصة بعدما كان في زيارة لأحد الأصدقاء فسأل ابنة الصديق عن محبتها لأمها، فقالت البنت بدون تردد إنها تحب والدها أكثر، لأن أمها تضربها، وهذا ما ولّد فكرة القصة. وجاء في اهداء القصة: "إلى يدي أمي، أقبلهما بقلبي!".

 

الموت في قصة "أجنحة الملائكة":

اسم القصة الثانية "أجنحة الملائكة"، وهي تختلف اختلافا كبيرا عن كلّ ما عرفته في تاريخ قصص الأطفال من الأعمال الأدبية التي تتناول موضوع الموت فهي تتحدث عن موضوع أصعب من أن يفهمه الصغار.

 

تحكي القصة عن الطفلة الصغيرة شوشو والتي هي بنت تحب اللعب لكنها تصطدم بواقع أن رامي ابن جارهم لا يريد اللعب معها، فرامي يحب لعبة كرة القدم، أما شوشو فتحب اللعب بالدمى!! ولما توفي عفيف أخو شوشو لم يجد رامي له ندا يلعب معه كرة القدم.  وحتى عندما حاولت شوشو أن تمرر له الكرة جاءت ضربتها ضعيفة، مما زاد من غضب رامي فرفض أن يلعب معها.

 

إن الدخول في موضوع الموت ولو انه واقع يعيشه كلّ الناس إلا أن فيه صعوبة فائقة!!  فجواب الأب لشوشو كان بأن اخاها عفيف قد مات وصعد إلى السماء لأنّ هناك ملاكا قد أتى إلى البيت ومنحه جناحين ليطير بهما إلى السماء. غير أن هذا الجواب لم يحل الأشكال الذي وضعت فيه الأخت شوشو. فالصغار ربما يصدقون كلّ كلمة نقولها لهم  وحتى إذا كانت من باب التمويه والكذب الأبيض. ولما لم يكن للكاتب من مندوحة من الخوض في موضوع الموت المحير للكبار وللصغار على حدٍّ سواء فإن جواب الكاتب أبقى بطلة القصة حائرة في ساحة منزلها وهي تحدق في السماء باحثة عن أخيها الذي ربما يمر ما بين الغيوم وهو يرتدي أجنحة الملائكة.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ألم يجد كاتبنا جوابا شافيا وشاملا لموضوع الموت.."طار إلى السماء"، لتبقى شوشو الصغير دائبة البحث عنه في السماء.. ولو حاولنا البحث عن جواب أفضل لربما استعصى الجواب على الطفلة شوشو...!

 

أعتقد أن موضوع الموت يجب معالجته مع أطفال أكبر سنا من شوشو، وعندئذ ستكون الفائدة جيدة وتفي بالمطلوب.

 

إن عملية السرد عند كاتبنا نادر أبو تامر موفقة جدا ولغته سلسة منسابة ولا يقل عنها توفيقا اهداءات الكتب التي تميز بها الكاتب حيث يهدي قصة أجنحة الملائكة ليبدو ذا موقف حساس للغاية من موضوع الموت فهو يهدي الكتاب "إلى روح عفيف الطاهرة الناعمة كأجنحة الملائكة والى والديه شادي ومنال" وهذا هو الشعور الأبوي الحقيقي الذي يجب أن يتحلى به كلّ أب مثل نادر أبو تامر.

 

"اصغر سائق في العالم" يخاطب الكبار والصغار

يبدو الكاتب نادر أبو تامر في قصة "أصغر كاتب في العالم" واعظا للصغار وللكبار على حدٍّ سواء، ولكن هذه المرة على لسان صبي صغير لا يجيد كلّ الكلام يبعد، فأبوه يجلسه على ركبتيه عندما يسوق السيارة في الصباح إلى المدرسة. وأمه تفعل ذلك، لكنها أكثر حرصا من أبيه. أما الجد فنجده على نقيض الاثنين والمقصود إنه لا يوافق على جلوس الأطفال على ركب أهاليهم، أثناء القيادة لأن ذلك قد يتسبب بالحوادث الخطيرة وحتى الموت.

 

ولما كان الأب يخاف من مخالفات الشرطة فقد بدا قليل الحيلة أمام طفله الصغير. ومع أن الطفل يحب والده ويحب أمه إلا أنه غير مقتنع بما يفعله أبوه، ولو كانت في هذا العمل متعة حقيقية بالنسبة للطفل الصغير، مثل متعة الجلوس أمام المقود ورؤية السيارة تسافر بسرعة وهي متعة حقيقية بالنسبة لكل طفل في العالم. إلا أن هذه المتعة لا توازي خطر الموت الذي قد يحدث في كلّ سفرة طويلة أو قصيرة.

 

ثم إن المخالفة التي يتعرض لها من يمارس هذه اللعبة تظهر الشرطي كسلطة شريرة لأنها تجعل المخالف يدفع من جيبه الخاص مبلغا من المال هو في غنى عن دفعه وخسارته.
وتتميز هذه القصة هي الأخرى بإهدائها إلى: "كلّ أب يخبئ أطفاله بعينيه، ويحميهم برموشه ويفرش لهم قلبه سجادة صلاة"!!

 

ملاحظات عامة حول قصص نادر أبو تامر :

بعد مراجعة هذه القصص الثلاث الصادرة هذا الأسبوع للإعلامي نادر أبو تامر وجدت أن الكاتب نادر أبو تامر قد راجع المادة ودققها لغويا بنفسه وبالتالي فكادت تخلو من الأخطاء، وهذه ملاحظة هامة لأنه من الضروري أن يحرص كتابنا على تقديم كتب قيمة وعلى مستوى عال من حيث الدقة اللغوية.
ولا بد من الإشارة كذلك إلى الإخراج الفني الفائق الذي حظيت به قصص نادر أبو تامر الذي اهتم بأن تأتي طباعة قصصه على ورق صقيل فاخر تتلاءم مع القصص ذاتها مع التأكيد على جودة الرسومات التي قامت بها الفنانة ايرينا كركبي والفنان ايمن خطيب بحيث كان الانسجام مطلقا ما بين الشكل والمضمون فعبرت الرسومات بحس مرهف عن المضمون المرهف الذي احتوت عليه قصص نادر أبو تامر.

كفر ياسيف 8/2/08

بقلم: الدكتور بطرس دلة
الأحد 10/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع