برنامج اللغة العربية الجديد في المدارس: هل من بشائر..



لغة الأم، هي روح الأمة وروح الشعب. لأنه الاجيال الصاعدة يمكنها ان تتعلم القِيم الاجتماعية والخلقية والوطنية عبر لغتها الام وليس عن طريق لغات اخرى، ولهذا فالشعب الآري – الالماني يرى في تدريس لغته اول سبع سنوات، امرا لا جدال فيه وان مُدرّس اللغة في المانيا، يتمتع بقيمة اعلى بين زملائه من ناحية، وينال حظوه معنوية واقتصادية لاجادته لغة الام.
ومن المؤسف نحن الشعوب العربية التي خضعت الى التتريك والى الانتداب البريطاني والفرنسي حاول في كل مرة المستعمر ان يفرض لغته وموروثه، ويمحو من الذاكرة تاريخ الشعوب وآثارها، ليعود هو بنفسه الى هذه الشعوب من باب الاستشراق عبر الجامعات الغربية بما فيها البريطانية، خاصة وان الشرق درجت على ارضه اعظم الحضارات الانسانية وأقدمها من بابلية وفينيقية وكنعانية وغيرها التي تخلدت واصبحت محط انظار الدارسين والباحثين.
ان اللغة العربية اليوم في مدارسنا في اسوأ حال لم تعرفه الاجيال سابقا. حتى على المستوى التحصيلي في نتائج البجروت تعتبر علامات اللغة هي الاكثر انخفاضا بالنسبة الى المواضيع الاخرى، عوضا عن العزوف والاشمئزاز من دراستها واجادتها لفظا وكتابة. حتى في اطار التخصصات من حيث الوحدات فانها الاقل من بين جميع المواضيع المستحدثة وغيرها، وتكاد تجد القلة ممن يملكون المهارة حديثا وكتابة دون التأتأة واللغط، ورثاء حافظ ابراهيم – شاعر النيل – للغة العربية – لم يشفع لها في ان تنهض في ديار العرب فما هو حالها عندنا؟! بعدما تقطعت اوصالها، وتحجرت برامجها عقودا، وافتقدت المعلمين المهرة، وتحوّل تعليمها كمن يعلّم لغة اجنبية؟! فما هو الدواء لهذا الداء؟!
لقد كتب الكثيرون حول اللغة العربية "لغتكم يا عرب" وطرق احيائها، وتعريب الاصطلاحات العلمية والتكنولوجية لتصبح لغة العصر، تتسع لجميع المستجدات الزمنية، وهي قادرة على ذلك، خاصة وانها لغة طيّعة كثيرة المترادفات، كثيرة الالفاظ الغنائية والرومانسية. اما العجز اللغوي لا ينطلق من هذا المربط وهذا الادعاء، انما يرتبط بعامل وجداني روحاني وهو "الحلم" او "الرؤى" الوطنية التي تشكل العمود الفقري لالتفاف الشعب حول طموحاته من حرية واستقلال عبر تعليمه الاناشيد الوطنية والاغاني الملحمية، بحيث تمس شغاف قلبه وفكره وتصبح جزءا لا يتجزأ من هويته وشخصيته الراسخة الثابتة التي لا يعروها التشرذم والفراغ والانتماء الى هذا المجموع. وفشل اللغة العربية على الصعيد المنطقي ينبع من الانظمة التي تغيب كل ما هو وطني لضمان بقائها في السلطة، اما نحن عرب اسرائيل فنخضع الى برنامج لغوي يمحو كل انتماء وانحياز الى موروثنا، وبالتالي تخريج اجيال منزوعة من ارضها وانتمائها وإرثها الثقافي الذي يمتد قرونا، بحجة العولمة، والانسانية العامة المجردة من كل اعتبار.
اما خبراء التربية فيرون الامر مختلفا، لأن طموحات الشعوب على مستوى الفرد والمجموع تتغذى من زادها ومن نماذجها التي صنعت الحضارة والتاريخ. وهذا لا يعني التقوقع في دائرة العربية، انما حفظها واجادتها واكتساب المفيد من اللغات الاخرى. والغاء الادب الفلسطيني عامة، أي الخصوص/ والاستعاضة بالعموم واجتراره والامتثال به، من الجاهلي والاموي والعباسي والمحايد من الادب الحديث، لا يطرق شغاف القلب والوجدان يبقى منقوصا، بعيدا عن الانتماء والامتداد التاريخي والانساني.
وهنا مربط خيلنا اذا اردنا جيلا يفقه لغته وتراثه، يخبط الارض بقدمين صلبتين يشق طريق حياته الى الامام، وليس مسحا او مسخا، يلتقط الفضائيات دون بوصلة توجهه.

(حيفا)

عايدة حوراني – نصرالله *
الأحد 10/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع