هل يحصل انهيارٌ مالي في العام 2008؟



هل ينجح إعلان الاحتياطي الفيديرالي خفضا كبيرا على معدّلات الفوائد في تفادي الأزمة في الولايات المتحدة وإبعاد شبح الانهيار العالمي؟ العديد من الخبراء يعتقدون ذلك. ولكنّهم يخشون على الأكثر تباطؤا في سرعة النمو.
لكن محلّلين آخرين، من أنصار الرأسمالية ايضا، يبدون قلقهم الشديد. على غرار السيد جاك أتالي في فرنسا الذي يتنبّأ بأن "بورصة نيويورك، ضمانة هرم القروض، ستنهار قريبا". ويؤكّد السيد ميشال روكار قناعته من "أنّ الأمور ستنفجر قريبا".
يجدر القول أن علامات التشكيك تتكاثر. وهذا ما يدلّ عليه "الهجوم على الذهب" الذي نشهده اليوم. فالمعدن الأصفر الذي ارتفعت أسعاره خلال العام 2007 بنسبة 32 في المئة، قد استعاد دوره كقيمة مرجعيّة. وجميع الهيئات الاقتصادية الكبرى، ومنها صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، تتوقّع انخفاضا في النموّ الاقتصاديّ العالمي.
كل شيء بدأ تقريبا عام 2001 مع انفجار فقاعة الأنترنت. فمن أجل حماية المستثمرين، قرّر رئيس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي، ألان غرينسبان، إعادة توجيه التوظيفات الماليّة نحو القطّاع العقاري. ومن خلال سياسة خفضٍ للفوائد والأعباء المالية، شجّع الوسطاء الماليين والعقاريين على حثّ الزبائن المتزايدين على الاستثمار في الحجر. هكذا تبلور نظام الـ « subprime »، أو القروض مقابل رهونات غير مضمونة وبفوائدٍ متحرّكة تقدّم لعائلاتٍ دخلها ضعيف وغير مؤكد. لكنّه عندما رفع الاحتياطي الفيديرالي في العام 2005 معدّلات الفوائد على الودائع (تلك المعدّلات التي عمدت اليوم إلى خفضها)، تعطّلت الآلة وانطلق مفعول الدومينو الذي راح يضرب النظام المصرفيّ العالمي ابتداءً من آب 2007.
وقد أدّى احتمال توقف 3 ملايين من العائلات المدينة بحوإلى 200 مليار يورو عن الدفع إلى إفلاس مؤسّسات تسليفٍ كبيرة. وفي مواجهة هذا الخطر، كانت تلك المؤسسات قد باعت سندات القروض المشكوك في تحصيلها إلى مصارفٍ أخرى، قامت بدورها بتحويلها لصالح صناديق مضاربة استثمارية وزّعتها على مصارف العالم أجمع. وجاءت النتيجة على صورة وباءٍ صاعق أوصل الأزمة إلى مجمل النظام المصرفي.
انتهى الأمر بمؤسّسات مالية كبيرة - "سيتيغروب" و"ميريل لينش" في الولايات المتحدة، "نورثرن روك" في بريطانيا، "سويس را" و"يو بي أس" في سويسرا، "السوسيتيه جنرال" في فرنسا، الخ..- بالإقرار بخسائرٍ هائلة. وللحدّ من هذه الخسائر، اضطر العديد من هذه المؤسسات إلى القبول برساميلٍ قادمة من صناديق سياديّة تسيطر عليها قوى من الجنوب ومن الملكيّات النفطية.
لا أحد يعرف تماما حجم الأضرار. فمنذ آب 2007، قامت المصارف المركزية الأميركية والأوروبية والبريطانية والسويسرية واليابانية بحقن الاقتصاد بمليارات اليورو دون التمكّن من ترميم الثقة.
وانتقلت الأزمة من الاقتصاد المالي إلى الاقتصاد الحقيقي. إذ هناك تلاقٍ للعوامل - الإنخفاض المتسارع لأسعار العقارات في الولايات المتحدة (ولكن أيضا في بريطانيا وإيرلندا وإسبانيا)، تنفيس فقاعة السيولة، تراجع الدولار، الحدّ من القروض - يُخشى أن تتسبّب، في الواقع، بتراجعٍ واضح في النموّ الاقتصاديّ العالمي. يضاف إلى ذلك ظواهر أخرى مثل ارتفاع أسعار النفط والمواد الأوليّة والمواد الغذائية. كلّها مكوّنات أزمة مستدامة. الأهمّ منذ باتت العولمة تشكّل الإطار البنيوي للاقتصاد العالمي.
أما المخرج من الأزمة فبات يكمُن في قدرة الإقتصادات الآسيوية على الحلول محل المحرّك الأميركي. إنّها ظاهرة جديدة من ظواهر التراجع الغربي ما يونبئ بالانتقال القريب لمركز الاقتصاد العالمي من الولايات المتحدة نحو الصين. وبهذا المعنى، ستكون هذه الأزمة بمثابة نهاية نموذج.

إنياسيو رامونه
السبت 9/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع