مع انعقاد الجلسة الثانية لمؤتمر الجبهة السابع:
وتبقى القضية المركزية بلورة سياسة المواجهة الناجعة!



تعقد في منتصف هذا الشهر الجلسة الثانية لمؤتمر الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة والقضية الاساسية المطروحة على جدول اعمال المؤتمر ومناقشاته هي انتخابات السلطات المحلية ومدى جاهزية الجبهة لخوضها والسياسة الناجعة التي من الاهمية بمكان على الجبهة انتهاجها لمواجهة التحديات المطروحة وانجاز مكاسب جديدة للجبهة ولجماهير شعبنا ولقضايانا الكفاحية من اجل السلام العادل والمساواة والتقدم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.
في معالجة الاسبوع الماضي، التي نشرت في ملحق "الاتحاد" حاولت التركيز لتحليل ظاهرتين تبرزان على ساحة التطور والصراع في اسرائيل وتنضويان تحت "لواء" قانون وحدة الاضداد الجدلي الماركسي، ظاهرتان متناقضان تناحريا ولكن تربط فيما بينهما علاقات عضوية مترابطة، ظاهرة التحول نحو السريع نحو اليمين المتطرف والفاشية العنصرية والبلطجة العدوانية وتصعيد الهجمة العدائية التمييزية ضد الاقلية القومية العربية في ساحة الخارطة السياسية – الحزبية في الشارع اليهودي، وعلى المستويين الرسمي والجماهيري. هذا التحول الذي يعكس آثاره المدمرة والمخضّبة بدماء المآسي والضحايا والمخاطر الجدية التي يزرعها على ساحات المعارك ضد الاحتلال ومن اجل السلام العادل والمساواة والعدالة الاجتماعية والدمقراطية.
والظاهرة الثانية هي بلورة الجاهزية الوطنية الكفاحية المبنية على استعداد اوساط واسعة وجديدة من الجماهير العربية للتضحية والانخراط في المعترك الكفاحي السياسي الجماهيري دفاعا عن حقوقها القومية والمدنية ومن خلال مواجهة انياب ونوائب سياسة التصعيد الهجومي العنصري السلطوية المعادية للعرب. فاذا كانت الظاهرة البارزة في الشارع اليهودي خلال السنوات الاخيرة تعكس حقيقة التحول نحو اليمين والانفلات العدواني والعنصري الفاشي المعادي للمواطنين العرب وللشعب العربي الفلسطيني وللدمقراطية، فان الظاهرة البارزة بين المواطنين العرب خلال نفس الفترة هي الانطلاقة المباركة للجماهير العربية في المعارك النضالية والعمل من خلال الابداع لتحسين ورفع مستوى ونوعية آليات الكفاح الوطني والانساني. وللجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة التي في مركزها الحزب الشيوعي الدينامو الفكري السياسي والتنظيمي، دور هام في بلورة بوصلة الانطلاقة الكفاحية للجماهير العربية وطابعها.
وانطلاقا من حقيقة ان الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة المشحونة بقوة الحزب الشيوعي وشبيبته الشيوعية القوة الاكبر بين الجماهير العربية القوة المصقولة سياسيا وتنظيميا، وصاحبة اغنى تجربة ثورية ووطنية كفاحية، وتمتلك هوية مميزة بصفتها حركة سياسية اممية ووطنية يهودية – عربية اثبتت معارك الكفاح المخضبة بالدم وعرق المعاناة مصداقية منهجها ونهجها الكفاحي الثوري سياسيا واجتماعيا ونقابيا، وانها الفرس الاصيل التي لا تنسحب من المعركة او تهرب من مواجهة الذئاب المفترسة، فرس النفس الطويلة التي لا تنقطع عن الشهيق والزفير ومواصلة السباق ما دام هنالك مجرمون سيوفهم مشرعة ومعدة للبطش والارهاب واغتيال الضحية.
انطلاقا من كل هذا، ومن كل ما سبق في هذه المقدمة الطويلة، فان على الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة مسؤولية كبيرة، سياسية ومهنية وتنظيمية، في بلورة وصياغة استراتيجية وتكتيك الجبهة في معركة السلطات المحلية المقبلة في شهر تشرين الثاني من العام الجاري. بلورة وصياغة استراتيجية وتكتيك يرتقيان الى مستوى مواجهة التحديات التي تفرضها سياسة التمييز القومي السلطوية العنصرية والتي يفرضها العديد من المظاهر السلبية الخطيرة بين جماهيرنا العربية.
ومما لا شك فيه ان الجبهة في الجلسة الثانية لمؤتمرها السابع ستبلور الخطوط العريضة لسياستها التي ستنتهجها في الانتخابات القريبة المرتقبة للسلطات المحلية، ولكنني سأساهم ببعض الملاحظات حول هذا الموضوع. وسأختصر اسهامي بالملاحظات التالية:
* اولا: حتى تبلور حركة سياسية ثورية وتقدمية كفاحية برنامجها السياسي وتكتيكها من أي معركة سياسية عليها اولا دراسة عميقة لحقيقة طابع الظروف التي تحيط بهذه المعركة والتي تجري من خلالها وذلك بهدف صياغة الموقف بشكل حكيم يرتفع الى مستوى تلبية حاجات ومتطلبات مواجهة هذه الظروف بشكل صحيح. وقد قمنا في معالجة الاسبوع الماضي ومقدمة معالجة اليوم بالاشارة الى طابع التحولات في الخارطة السياسية الاسرائيلية، وخاصة الى مخاطر الهرولة يمينا وتصعيد السياسة العدوانية الرسمية ضد شعبنا وجماهيرنا العربية. ولكن لا يمكن فصل التحولات المأساوية الجارية في اسرائيل عن التحولات الجارية كونيا، واسقاطاتها وتأثيرها على طابع التطور في اسرائيل. فمنذ مطلع التسعينيات وبعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية في اوروبا الشرقية وهيمنة القطب الواحد الامبريالي الامريكي حدث تراجع مخيف، نكسة اصابت ليس فقط الاحزاب الشيوعية بل مختلف تيارات الحركة الثورية العالمية، حركات التحرر القومي والوطني ومختلف قوى اليسار والقوى الوطنية التقدمية. امام هذا التراجع الكارثي المؤقت تصاعدت عدوانية القوى الامبريالية والرجعية وخاصة استراتيجية الهيمنة الامريكية كونيا، استراتيجية عولمة ارهاب الدولة الامريكية والاسرائيلية المنظم للهيمنة ونهب حق الشعوب في السيادة الوطنية ونهب خيراتها وثرواتها الوطنية والاجرام بحق القوى التقدمية والوطنية المناهضة للهيمنة الامريكية والاسرائيلية. وفي مثل هذه الظروف فان المهمة الاساسية الملقاة على عاتق القوى اليسارية والوطنية التقدمية، هي الصمود في وجه هذه العاصفة العابرة، بلورة وشحذ آليات الصمود من خلال وحدة القوى المناهضة لأرباب الطغيان والجرائم، محاربة اليأس والالتصاق اكثر بالجماهير وهمومها وقضاياها.
* ثانيا: من ملامح الردة الرجعية المأساوية كونيا وفي مختلف البلدان، ومنها بلادنا، المحاولة الامبريالية (والصهيونية في بلادنا) لخصخصة الهوية القومية والوطنية، لزرع بذور الفرقة من خلال العمل المنهجي لنحر هوية الانتماء الوطني الواحدة وهوية الانتماء القومي الواحدة واختلاق هويات انتماء مشبوهة ومهزوزة على اساس طائفي وقبلي واثني وعائلي وتأجيج الفتن والصراعات الطائفية والقبلية والعائلية وذلك بهدف ترسيخ اقدام انظمة الطغيان والاحتلال واضعاف وتمزيق الوحدة الوطنية في مواجهة انظمة المجرمين. واقليتنا القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل ليست محصنة في وجه هذه العدوى المدمرة سريعة الانتشار. وبخلاف الانتخابات البرلمانية حيث الصورة اوضح بالنسبة لطابعها السياسي فان الوضع اصعب بالنسبة لانتخابات السلطات المحلية حيث لا تنجح الجبهة دائما، كما لا تنجح قوائم وطنية في تسييس معركة انتخابات السلطات المحلية العربية، ولهذا، وللاسف، فقد اصبح الطابع السائد في كثير من قرانا العربية هو انتشار القوائم الطائفية والعائلية. وقد ساعد في تغذية هذه الظاهرة ليس فقط السياسة السلطوية بل انتشار اخلاقيات السوق الاستهلاكية – الانتهازية النفعية والانانية المصلحجية – وفي ظل واقع ان السلطات المحلية تحولت الى مؤسسة اقتصادية تشغل عشرات ومئات العاملين والموظفين والموظفات. اضف الى كل ذلك بروز ونشاط احزاب ومنظمات وكتل اصولية دينية بعضها يشارك مباشرة في انتخابات السلطات المحلية (الحركة الاسلامية) وبعضها يؤثر بشكل غير مباشر (فرق المتجددين المسيحيين).
والسؤال الذي يطرح على الجبهة هو ما العمل لمواجهة ظاهرة التردي، السيلان الطائفي والعائلي من خلال كتل انتهازية غالبا ما تكون مدجنة سلطويا، وتطعج كفاحيا وغير مؤهلة لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجهها جماهيرنا العربية في مواجهة سياسة القهر والاقتلاع والترانسفير السلطوية!! لا يكفي او اصح لم يعد كافيا الاكتفاء بمجرد طرح وتداول شعار "تسييس معركة انتخابات السلطات المحلية العربية" بل ما هو ملح ومطلوب لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة والمقبلة، وهذه مسؤولية الجبهة، ان تسعى لبذل جهد مكثف لبلورة تحالفات كفاحية صدامية بعيدا عن الطائفية والعائلية، تحالفات وطنية دمقراطية تقدمية سياسية من القوى الوطنية والشخصيات المستعدة والقابلة للمشاركة في المعترك الكفاحي دفاعا عن قضايا واحتياجات مدننا وقرانا العربية في التطور الحضاري ومواجهة مخططات السلطة العدوانية ضد شعبنا وجماهيرنا، باختصار انتخاب مجالس تطور وكرامة.
* ثالثا: ان تصعيد العدوان السلطوي على جماهيرنا العربية واستعداد جماهيرنا لانطلاقة كفاحية دفاعا عن حقوقها تعيد الى الاذهان الوضع الذي ساد بعد "يوم الارض" الخالد عام 1976 وقاد في اول انتخابات للسلطات المحلية سنة 1988 الى انتخاب ادارات دمقراطية مكافحة في مركزها الجبهة والحزب الشيوعي في اكثر من عشرين بلدية ومجلس محلي عربي. الوضع اليوم اكثر خطورة من الاوضاع التي سادت ابان وبعد يوم الارض الخالد وتستدعي انتخاب ادارات وطنية مكافحة تعكس حقيقة موقف جماهيرنا العربية من مخططات التآمر السلطوية واستعدادها لتحصيل الحقوق واستلالها من بين فكي ذئب التمييز والاضطهاد. ونرى من الاهمية الكفاحية والوطنية بمكان المحافظة على القلاع الكفاحية الوطنية الدمقراطية في الناصرة وسخنين وطمرة وعيلبون ويافة الناصرة وغيرها وزيادة هذه القلاع. والمحافظة على الناصرة بأيد وطنية امينة، المحافظة على وجهها الدمقراطي التقدمي الجبهوي المشرق كعاصمة للكفاح الوطني والتقدمي لجماهيرنا العربية وللمعركة من اجل المساواة والسلام العادل والعدالة الاجتماعية، المحافظة على هذه القلعة الكفاحية الرائدة تعتبر قضية وطنية من الدرجة الاولى وقضية جميع قوى الخير والتقدم في هذه البلاد.
* رابعا: على جبهتنا استخلاص العبر الصحيحة من قضية انتخاب رئيس السلطة المحلية، فانتخاب رئيس شيوعي او جبهوي ليس هدفا بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق هدف خدمة المصلحة العامة. يجب الحذر من اخلاقيات السوق الاستهلاكية، فكم من رئيس انتخبناه ومن جراء ركضه وراء المصلحة الذاتية والانتهازية المصلحجية "خرب بيت" الجبهة، مع ان الصفة السائدة للرؤساء الجبهويين تناقض صفة الشواذ من الانتهازيين.
* خامسا: عملت الجبهة خيرا وعين الصواب وبشكل مبرمج في تنظيم اختراق "القرى البيضاء" او القرى البور بهدف ادخال النور وتبديد الظلام وجذب اهلنا الى المعترك الكفاحي دفاعا عن قضاياهم وحتى لا تبقى قرانا، او ما تبقى منها مزرعة لقوى واحزاب القهر القومي الصهيونية ولقوى التضليل الوطني العربية.
* سادسا: يجب تصعيد المعركة لمحاربة وباء بيع الضمائر واستغلال السماسرة الانذال الاوضاع المعيشية الصعبة وحالة الفقر لدى اوساط واسعة من جماهيرنا لتضليلهم وتزوير ارادتهم وموقفهم.
* سابعا: نشد على ايدي الجبهة وسياستها الصحيحة ببلورة قوائم كفاحية يهودية-عربية حيث امكن ذلك، في حيفا وتل ابيب- يافا وغيرهما.
ونتمنى لجلسة المؤتمر الثانية النجاح في بلورة سياسة حكيمة استعدادا لانتخابات السلطات المحلية المقبلة.

د. أحمد سعد
السبت 9/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع