يوميات برهوم البلشفي - الكتاب



اليـوميـّات تعـُجّ بـعـشـرات الـمــواقـف الـبـطـوليـّـة لـرفـاقـنـــا ..

المقدّمة

قال أبو الطّيّب المتنبّي:
وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ      فهي الشّهادة لي بأنّي كامل

 

"عرب جيّدون" عنوان كتاب تداولته أيدي القّرّاء في السّنتين الأخيرتين، وطبعًا لم يكُن الشّيوعيّون المقصودين، بل كانوا النّقيض حسب ما رأته المُخابرات الإسرائيليّة والسّلطات، فالجيّدون هم أولائك الّذين تعاملوا مع السّلطة وتآمروا على أبناء شعبهم، وكان الشّيوعيّون في كلّ قرية ومدينة من قرانا ومدننا الهدف الّذي صوَّب هؤلاء "العرب الجيّدون" سهامهم إليهم، فوشَوا بهم وتتبّعوا نضالهم وجرأتهم وشجاعتهم وتحدّيهم فزادهم ذلك غيْظًا لأنّ ذلك يُغْضِب أسيادهم، فبعضهم أبلغ السّلطة أنّ هذه الحانوت في قريته مكان لاجتماع الشّيوعييّن وجريدة الاتّحاد موجودة في ذلك الدّرج.

 


هذا نعرفه جميعًا ونعتزّ أنّنا كُنّا كشيوعييّن "العرب السّيّئين" في عيْني السّلطة. ولكي يعرف الجميع مآثر الشّيوعييّن، كوادرهم الشّعبيّة الّتي كانت وما تزال كخليّة النّحل
تعمل بدأب ونشاط، دون خوف أو تردّد، ويقومون بنشرِ أفكار القيادة والحزب في كلّ مكان غير آبهين بما ينتظرهم من سجن أو نفي أو عقاب أو عدم إعطاء التّصاريح وغير ذلك من ممارسات السّلطة الجائرة. لكي يعرف الجميع كان لا بُدّ من كتابة ما اختزنته ذاكرة الشّيوعييّن في سنوات الحكم العسكري ومصادرة الأراضي وخنق الحُرّيّات والرّقابة على صحافة الحزب وأدبيّاته، فجاءت "يوميّات برْهوم البُلْشُفيّ" باكورة د. خالد تركي، الّتي أبدع فيها، فنقل واقع نضال الشّيوعييّن في منطقة حيفا بصدقٍ ومباشرة من أبطاله الحقيقييّن، ممثّلة ببرهوم البلشفي الّذي اختير كي يكون رمزًا لكلّ الشّيوعييّن الشّرفاء الّذين ضحّوا بكلّ شيء وصمدوا رغم كلّ محاولات التّهجير والتّصفية والمُعاناة الحياتيّة اليوميّة.
واكبتُ مسيرة كتابة "يوميّات برْهوم البُلْشُفيّ" من ولادة الفِكرة حتّى اكتمالها في هذا
الكتاب الّذي أرى فيه تَمَيُّزًا وبساطة وصِدقًا وقصّة شعب لا حزبَ فقط، شعرْتُ مع قراءة كلّ حلقة من حلقات هذه اليوميّات بالاعتزاز والفخر لأنّ شعبنا الأبيّ، الفلسطيني الّذي اجترح المعجِزات في نِضاله الطّويل، أنجبَ هؤلاء الشّيوعييّن الّذين مع رفاقهم اليهود صمدوا وناضلوا ومكّنوا بنضالهم الّذي لا يعرف الكلل ولا الملل أبناء شعبنا من البقاء في وطنهم الّذي لا وطن لهم سواه.

 


برهوم البلشفي ورفاقه الّذين كان الهمّ الفلسطيني والهمّ الطّبقي والاجتماعي شغلهم الشّاغل، بعد يوم عمل يوميّ مضنٍ، كلّ في مهنته، الّتي يعتاش منها ويوفر لقمة العيش لأبناء عائلته، يوزّعون أدبيّات الحزب خاصّة الإتّحاد، يشاركون في المظاهرات والاجتماعات والمعارك الكفاحيّة، يقفون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضهم ازر بعض، فيحمون اجتماعات حزبهم بعضلاتهم وبأعلامهم الّتي كانت تتحوّل عصيًا وقت الحاجة لصدّ عدوانيّة السّلطة وأعوانها وكلّ من يحاول التّطاول على قيادي الحزب الّذين كانوا يقودون نشاطات حزبنا وشعبنا، يتحدّون بخطاباتهم وبأفكارهم السّلطة وأعوانها ويزرعون في أبناء شعبي هذه البلاد الأمل بالمستقبل ويؤكّدون بفكرهم الماركسيّ اللينينيّ أنّ النّصر حتمًا آتٍ وان الظّلم والاستغلال والقهر لا محالة زائلٌ.
في كلّ صفحة من "يوميّات برْهوم البُلْشُفيّ" نشهد صفحة مُشرقة من تاريخ حزبنا الشّيوعيّ صفحة سطّرتها كوادر الشّيوعييّن، قاعدة الهرم العريضة التي كانت ولا تزال راسخة تضرب جذورًا عميقة في هذه الأرض الأبيّة، هذه القاعدة الّتي كان برهوم ورفاقه في أنحاء الوطن، لبناتها المتراصّة، الّتي كانت تفشل كلّ محاولة اعتداء أو تطاول على مكتسبات هذا الشّعب، يقومون بالمهمّات دون أن يُفكّر رفيق منهم أن ينشر اسمه أو أن يُصفَّق له أو يُمْتدح على ما قام به من عمل مشَرّف ومن نضال لا يتوقّف، لم يُفكّر أحدهم بذلك لأنّهم رأوا في ما يقومون به صوْنًا للكادحين والمظلومين من الشّعبيْن، عربًا ويهودًا، لذا كانت هذه اليوميّات بدايةً، آمل أن يكون لها امتداد في بقيّة المناطق، لأنّها كما تعرفون أو ستعرِفون بعد قراءتها تمحورت في منطقة حيفا. ونحن نعرف أنّ المئات بل الآلاف من رفاق الحزب، قاعدة الهرم، يختزنون في ذاكرتهم آلاف الأعمال البطوليّة، الّتي نريد لها أن تنتقل من الذّاكرة إلى صفحات الإتّحاد أو إلى كتب لتُثري تاريخنا لأنّ هذا التّاريخ، هو التّاريخ اليومي، لنضال حزبنا، وهو يُكمِّل التّاريخ المكتوب الّذي سُجِّل خلال سنوات طويلة على صفحات الإتّحاد، الّتي تابعت وباستمرار نشاط قياديي حزبنا ومُمثّليه في الكنيست والهستدروت والنّقابات المهنيّة والسّلطات المحليّة، الّذين عانوا من الاضطهاد والمُلاحقة والإبْعاد والاعتداء الّذي وصل إلى حدّ محاولات القتل الجبانة كما حدث لرفيقنا ماير فلنر بعد خطابه بعد نكسة العام 1967 في الكنيست. يكمل تاريخ رفاقنا الّذين رفعوا قضايا شعبنا على كلّ منصّة وعلى كلّ منبر في البلاد وخارجها كتوفيق طوبي وتوفيق زيّاد وماير فلنر وإميل توما وحنّا نقّارة وغيرهم من القيادييّن الّذين نجلّهم ونقدّرهم..
"يوميّات برْهوم البُلْشُفيّ" تطرّقت إلى جوانب مختلفة من نضال رفاقنا ومن الكفاح اليهودي العربي، بشكل واقعي بسيط، لكن يعكس جوهر النّضال الطّبقي الأممي، ويؤكّد أنّ ماهيّة الصّراع كانت ولا تزال بين المستغَلِّين والمستضعَفين وبين المستغِلِّين والرأسماليّة وتؤكّد أنّ مناهضة الاستعمار والاستغلال هو الكفاح اليوميّ والمثابر. فأثناء توزيع منشور ضدّ زيارة فوستر دلاس بعد الحرب العدوانيّة الأمريكيّة على كوريا الديمقراطيّة في سنوات الخمسين، لاحقت الشّرطة الرّفاق أثناء توزيعهم المنشور فقامت الرّفيقة اليهوديّة روتي بأخذ المناشير وخبّأتها في صدرها ولم تجد سوى برميل القمامة تختبئ فيه حتّى زوال الخطر وبهذا خلّصت الرّفاق من المأزق. الحادثة رغم بساطتها، لها معانٍ كبيرة ذكرتها أعلاه.

 


لقد ضحّى الرّفاق بمصادر رزقهم أحيانًا من أجل مبادئهم وصونها. فقصّة برهوم حين أخذ إجازة مرضيّة لمدّة أسبوع كي يُشارك في دورة تثقيفيّة للحزب، انتهت بكشف مدير قسم البريد، الّذي كان يعمل فيه، لذلك صدفة وعند عودة برهوم وجد كتاب
الفصل قد سبقه إلى البيت. ولا أريد هنا أن أخوض في هذا فعشرات المعلّمين
الدّيمقراطييّن فُصِلوا من التّدريس بسبب انتمائهم لحزبهم وشعبهم، ورغم ذلك استمرّوا في حمل نبراس الحُريّة ومقارعة السّلطة وعملوا في أيّ عمل كي لا يُذلّوا للسّلطة وأعوانها.....
اليوميّات تعُجّ بعشرات المواقف البطوليّة لرفاقنا، فقد تعدّدت أساليب السّلطة في استفزاز رفاقنا، وتعددت أساليب كوادر حزبنا وشبيبتنا في الرّدّ عليها وردّ اعتداءاتهم إلى نحورهم وعلى سبيل المثال لا الحصر، أثلج صدري ما حدث حين قامت عائلة عربيّة من أعوان السّلطة بفتح باب مكتب محامي الأرض المناضل حنّا نقّارة ووضع مريض يحتضر داخل مكتبه، حيث قام الرّفاق بنقل المريض بهدوء وبحذر إلى غرفة مجاورة لمكتب محامي البقاء والإباء واستدعوا الإسعاف وبهذا أفشلوا مخططات السّلطة لتوريط أحد قادة شعبنا.
كلّ كلمة وكلّ جملة في هذه المذكّرات ثمينة وقيِّمة. فحين أردْتُ أن أختار بعض جواهرها لأُغني مقدّمتي هذه وقفتُ محتارًا متردّدًا لأنّني أدركْتُ مدى الظّلم الّذي ستشعر به الأحداث الّتي لم أُشِر إليها في هذه المقدّمة. فهي لا تقلّ أهميّة عن زميلاتها اللواتي حظينَ بشرفِ الظّهور هنا قبل أن تَلِجَ، عزيزي القارئ، إلى لجّة "يوميّات برْهوم البُلْشُفيّ" وتسبر أغوارها، فعُذرًا.

* حيفا

اسكندر عمل *
الجمعة 8/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع