الجرح المفتوح



اخشى اننا سنضطر الى كتابة مقالة واحدة على امتداد هذه الايام الدامية، فلا نكاد نطالع نشرة انباء متعلقة بفلسطين، حتى تنطلق نافورة الدم في كل اتجاه، من ركاب سيارة عابرة، الى استاذ مدرسة يستشهد على مرأى من تلاميذه، الى مريض يحتضر ولا يسمح الاحتلال بنقله الى مركز للعلاج.
والعالم لا يرى ولا يسمع، او لعله يرى ولا يسمع، فالواقعة هي طبل عند اطرش، حتى لنتساءل عن جدوى صراخنا العبثي في مهرجان  الصم البكم الذي قد بلغ ذروته في ميادين وطننا العربي السعيد.
والعدو منسجم مع منطقه الدموي فما الذي يمنعه من التفكير في هدم المسجد العمري، وهو الذي فكر مرارا في تقويض المبنى المرواني، وهدد امان كنيسة البشارة؟ واذا احتجت اليونسكو، فهو اما ان يعيرها اذنا من طين واذنا من عجين، واما ان يأتي بمجانين جاهزين ليتهم الخلل العقلي بما لا يقتنع به عاقل، او انه يوحي بأن عمليات القتل والهدم والتخريب والحصار انما هي اجراءات من باب النشاط الامني الذي تقتضيه الحرب على الارهاب.
والمفارق ان العدو لا يكتفي بالهدم، بل هو يبني كذلك؟ الم يتم اشتقاق اسم الاستعمار من العمران؟ فلم لا يقوم امناء الهيكل الجدد ببناء سور الفصل العنصري الذي يقضم الارض الفلسطينية شبرا بعد شبر؟ ولم لا يقترح باراك سورا جديدا يعيد تخطيط الحدود مع مصر؟ والذريعة ان المتطرفين - اصبح اسم الفدائيين متطرفين بعد ان كانوا مخربين، او انهم مخربون متطرفون- قد هدموا جدار الحدود مع مصر، واذا كانت حادثة الجدار على الحدود المصرية مؤسفة فعلا، وتجري معالجتها بما يؤكد انه من غير المعقول ان يرضى فلسطيني وطني عاقل ان يمس هيبة مصر العظيمة او ان ينال من سمعتها العالية ومكانتها المنيعة، فإن العين لا تغفل عن المجرم الصهيوني الحقيقي الذي يشدد الحصار ويخنق حتى الهواء، بعد ان منع الماء والكهرباء والغذاء، وهكذا تترتب المعادلة غير العادلة على نحو يسمح بالقتل والتنكيل،  ثم بمزيد من القتل والتنكيل بدعوى الضربة الاستباقية لمنع ردود الفعل الفلسطينية، والعالم غافل غاف غير معني بالتحقق مما يحدث، على ان  الوطني الفلسطيني لا يضل البوصلة، فالعدو هو المعتدي، ومصر هي الدار والجار والاهل.
وقد يتهمنا بعض العالم بالدلع او بإنكار ما يحدث من ردود فعل، فالجامعة العربية قد تصدر بيانا، والمنظمة العالمية للثقافة والعلوم قد تستنكر ما يجري، وربما اعلنت منظمة الصحة العالمية - نقول: ربما- اعلنت عن رفضها لما يجري في بلادنا، والنتيجة ان الهدم يبقى هدما، والقتل يحافظ على وتيرته المتصاعدة، وتتحقق في حومة هذه المذبحة مقولة العربي الخائب القائل: اوسعتهم شتما واودوا بالابل.
لكننا لسنا ابلا وانعاما، بل شعب له قدرة محدودة على الصبر، ولا يرغب الفلسطيني المسماة بلاده بأرض السلام، ان يبدو كمن يهدد وينذر ويتوعد، ولكن الضغط يولد الانفجار، وبإمكان الفلسطيني الا يكون انفجاره تخريبيا وارهابيا، فالانتفاضة سلاح مجرب، وهو سلاح تقره شرائع الارض والسماء معا، واذا قالت غولداماير يوما انها لن تغفر لأطفال فلسطين انهم جعلوا جنودها قتلة، فإننا نرفض ان يقتلنا القتلة لسبب او غير سبب، بل نضع الضمير العالمي على المحك، وليست واقعة يتيمة تلك التي انتصر فيها الدم على السيف.
ويستطيع المؤرخ المراقب ان يتأكد من ان الانتفاضة الثالثة سرعان ما تنضج على نار حامية، واذا توقع العالم شيئا من هذا فليس مضمونا ان يتوقع ما تؤدي اليه الانتفاضة من زلزلة اقليمية ودولية.
ليس هذا تهديدا ولا تحذيرا، ولكنه دم يضرج وكالات الانباء، ويصبغ الايام بالاحمر الذي كنا نريده شقائق نعمان ويأبى العدو الا ان يكون جرحا مفتوحا على جهات الدنيا الاربع.
أحمد دحبور
الجمعة 8/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع