المطلوب: نفس طويل وتخطيط بعيد المدى



بعد كل حدث مأساوي في علاقتنا مع المؤسسة الحاكمة تخرج قياداتنا بجملة من القرارات والاقتراحات، وهذا صحيح بالنسبة لكل المناسبات والأحداث التي عصفت بهذه العلاقة منذ إقامة إسرائيل. لقد جرت العادة حتى الآن على ان تقوم لجنة المتابعة بتجميع الاقتراحات من مركباتها وإقرار حلول وسط مقبولة على الإجماع العام. وفي العادة حامت الاقتراحات والقرارات حول وصفة محددة من الخطوات، تمتد من إعلان الإضراب والمظاهرات في أقصاها، وحتى إصدار بيان من التنديد والإشارة الى مسؤولية الدولة وأجهزتها في أدنى الحالات.
إجمالا، يتم إقرار الخطوة وإخراجها إلى حيز التنفيذ ومن ثم الانطلاق إلى الأجندة الاعتيادية، حتى حلول الحدث التالي. هذه المرة، في اجتماع لجنة المتابعة، وبالأساس بسبب حدة الصفعة التي وجّهها المستشار القضائي على خلفية ما أشارت اليه لجنة اور وما نعرفه عن الجناة المباشرين وعمّن أعطوا الأوامر، تقررَ اللجوء الى المطالبة بإقامة لجنة تحقيق يشارك بها قضاة ومختصون من اسرائيل، يهود وعرب، ومن جهات دولية مختصة.
وباشرت الجبهة الديمقراطية لأجل هذا الانطلاق الهام في علاقتنا بالدولة ودفاعاً عن العدالة والحق بالمبادرة الى عريضة يوقع عليها ربع مليون عربي وعريضة اخرى توقع عليها شخصيات ديمقراطية يهودية تدعم مطلبنا بإقامة "لجنة تحقيق حيادية بمشاركة مختصين دوليين"، بحيث تصبح هذه الدعوة مركزاً لمطلب وعمل جماعيين، تُجمع عليه القيادات والجماهير بالإضافة لدعم الديمقراطيين اليهود. وبهذا يكون مطلب تشكيل لجنة تحقيق حيادية بمشاركة مختصين دوليين أداة لحشد داخلي وخارجي، ومقدمة لحشد دولي جدي لدعم مطالبنا العادلة.


هنا لا بد من بعض الملاحظات:
الأولى: إن تخوُّف بعضنا في الماضي من التوجه الى منصات دولية ليس له ما يبرره، وتلويح بعض قيادات اليمين الإسرائيلي بأن ذلك يعتبر تخطيًا لـ "خط أحمر" ما هو إلا احد أدوات ضبطنا والسيطرة علينا، فالعالم يتحرك ويعمل كوحدة واحدة، وقضيتنا، ككل الأقليات والمجموعات المظلومة الأخرى، هي قضية دولية وموضوعة على جدول الإعلام والنقاش الدولي شئنا ام أبينا.
ثانياً: هنالك تجربة فلسطينية غنية وعميقة في الضفة الغربية والشتات ويجب ان نتعلم من هذه التجربة كما يجب ان نستغلها لصالحنا؛ فتاريخياً استطاعت الفعاليات الفلسطينية ومؤيدوها في العالم كسب الرأي العام والمؤسسات الدولية الى جانب القضية الفلسطينية.
ثالثاً: المجتمع الدولي مشغول بمئات وآلاف القضايا الأخرى وبالتالي يجب ان نعمل ونجتهد ونضع خططا وبدائل حتى نستطيع رسمياً ومن قبل مؤسساتنا القيادية الرسمية، ان نضع قضيتنا على جدول الأعمال الدولي. ونستطيع ان نفعل ذلك من خلال طرح مطلب تشكيل لجنة تحقيق من أطراف دولية كمطلب متواضع لا يتطلب أي قرارات دولية من مؤسسات دولية ولا إقرار دولة اسرائيل بذلك في المراحل الأولى، لأجل تجنيد رأي عام دولي داعم. فقط عندما نجند ما يكفي من الدعم ونكون جاهزين سياسياً لتنفيذ هذه الآلية، ننطلق لإجبار اسرائيل على قبول تشكيل اللجنة والجنوح لمطلب تقديم المجرمين الى العدالة، وعندها نتوجه الى منصات دولية وندعوها الى عضوية اللجنة المقترحة ومن ثم الانطلاق لترتيب آليات العمل والخروج بتقرير حول مسؤولية من أطلق النار على أبنائنا ومن وراءه ومن أعطى الأوامر بذلك.
يدرك المهتمّون بالأمر تماماً على أرضية فهم ما جرى ويجري في المجتمعات المنقسمة المأزومة مثل جنوب افريقيا، شمال ايرلندا وكندا، بأن المطلوب هو تجميع طاقات المغلوب، اقرار الخطوات المطلوبة لتحقيق الأهداف ومن ثم الانطلاق لكسب التأييد لدى الأكثرية وعلى المستوى الدولي. هذه الخطوات تتطلب سنوات من التحضير والعمل الدؤوب الذي تقوده قيادات ونخب الأقلية، وبالتأكيد يتطلب الأمر سنوات من العمل الشاق المشوب بالإخفاقات ولملمة القوى حتى تستطيع الأقلية تحقيق مطالبها وإحداث التغيير المطلوب نحو الانفراج في العلاقات مع الأكثرية والدولة.

د. أسعد غانم*
الثلاثاء 5/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع