على أعتاب اكتوبر دامٍ آخر!!



هذا هو اذن!
براءة!


صحيح ان ثمة جريمة (او ثلاث عشرة جريمة) ارتكبت ذات تشرين منذ سبع سنوات ونيف، الا ان "السيد" مزوز، رئيس الجهاز الذي من المفروض ان يبحث عن الحق ويسعى لاحقاق العدل، أفتى بعدم وجود من يمكن اتهامه وتقديمه للمحاكمة: لا الذي اتخذ القرار ولا الذي ضغط على الزناد، ألا يمكن ان يكون الثلاثة عشر شابا قد قضوا بالسكتة القلبية؟! او انهم قتلوا بعضهم؟!!
اذن جميع الصور الحية كاذبة!
صورة الجنود المدججين بالحقد وقنابل الدخان والبنادق الرشاشة، "النائخين على ركبة ونص"، مصوّبين فوهات عنصريتهم باتجاه الناس، صورة "ميكي ماوس" للصغار!
وصورة القيادات العربية من رؤساء سلطات محلية وقادة احزاب وهيئات اجتماعية، صورة خادعة سرابية لا تعني شيئا! وصورة الدم النازف يعانق التراب المقدس، وصورة الرصاصات التي انتزعها اطباء المستشفيات من اجساد الضحايا الذين قضى بعضهم و"فاز" البعض الآخر بما يظل يذكّره بملامح الدمقراطية الاسرائيلية، كلها خداع للبصر! في قضية الرصاص ثمة خلاف حول نوعيته. هل هو رصاص مطاطي قاتل مسموح به، ام رصاص معدني قاتل غير مسموح به!! وللتأكد من ذلك، ولكي تأخذ العدالة الاسرائيلية مجراها ومخراها، كان الطلب من ذوي الشهداء: اخرجوا فلذات اكبادكم من القبور ثم اعيدوا دفنهم! فماذا يريد العرب "ابسط" من ان "تحظى" الام بموت ابنها وبدفنه مرتين، وربما اكثر من مرتين، طبقا لما قد تسفر عنه نتائج التحقيق!
لا يمكن تقدير ما يشعر به ذوو الشهداء ازاء هذا الطلب "الانساني" جدا! لكنني سأفترض ان ابن السيد مزوز، (ربنا يوفقه له!) تصادف مروره في سخنين، عندما "دبت الصوت" امرأة، فنشبت "طوشة" عمومية. وان رصاصة طائشة، من مسدس احد مسلحي السلطة، اصابت قلب الشاب (سلامة قلبه)، فكانت القاضية (والاعمار بيد الله)! فهل كان مرتكب الجريمة سيظل مجهولا!!، وهل كانت مكانة المشتبه به – كعميل – تشفع له، فلا تقدم بحقه لائحة اتهام؟! كم اتحرق لمعرفة كيف يمكن لهذا المزوز النظر في عيون ام وليد (ايهاب) وام عماد (فؤاد) وأم اسيل والامهات العشر الاخريات؟!
صحيح ان محاكمة من أمر ومن نفّذ، من المستوى السياسي والمستوى الشرطي والعسكري، وجعلهم "يتخّون" في برودة السجن، لا يمكنه جعل من مضى يشفي شوق امه ولو بكلمة، لكن ذلك قد يشفي الغل، فها هو المجرم قد نال عقابه.
واذن لماذا كانت كل هذه المطمطة والاستماع الى مئات شهود العيان؟
لكي لا تأخذ دول الغرب على حكومة اسرائيل انها لم تأبه بمقتل ثلاثة عشر من مواطنيها العرب! وهذه عنصرية لا ترضى بها تلك الدول، ولا اسرائيل ايضا!!
تعود صورة كفر قاسم تقتحم المشهد الدامي. يومها سنة 1956، كان عددهم تسعة واربعين وفي اواخر الالفية الثانية هبط العدد الى ثلاثة عشر. يومها كان الثمن قرشا واحدا بالعملة القديمة. وفي اواخر الالفية الثانية عزّ الشاقل الجديد على القضاء الاسرائيلي! فمن اين يأتون بشدمي جديد (القائد العسكري الذي امر بقتل ابناء كفر قاسم) يفرضون عليه تلك الغرامة "الباهظة"!!
وماذا روى شهود الدفاع في شهاداتهم امام لجنة اور؟ هل روى ايهود براك مثلا، انه عندما علم بالتجمعات الاحتجاجية العربية (ولتكن اعمال شغب كما تسميها ابواق المؤسسة الحاكمة!) في الناصرة وسخنين وعرابة وام الفحم..، قام بتشكيل "فزعات" من قادة الوسط العربي لاقناع "المشاغبين" بعدم قذف رجال الامن بالحصى؟ اساسا على من كانوا سيرمون حصى غضبهم لو بقيت بلداتهم خالية من الحقد والسلاح المتربصَين بهم بصلف وتحدّ؟! كانوا يشكلون خطرا على حياة رجال الامن؟؟ كيف اذن لم يصب أي جندي؟؟!!
السيد ايهود براك هذا جاء الى بعض التجمعات العربية منذ وقت ليس ببعيد، فوجد من بيننا من يستكلب لدعمه، ضد منافسه، على زعامة حزب العمل وغدا سوف يعود هذا البراك الينا مرة اخرى طالبا الود، لرئاسة الحكومة هذه المرة. فماذا نحن قائلون له؟؟ لا تقولوا لي حرية رأي ودمقراطية. "كافر من يحج بدون سلاح"، قال مظفر النواب، و"مجرم من لا يرد على الجريمة بالصوت"، وهو اضعف الإيمان، اقول انا!
بعض سيئي النوايا يربطون بين اخفاقات الايهودين: ايهود اولمرت في لبنان ومسؤوليته عن مقتل من ساقهم الى القتل في لبنان بلا مبرر، وقد وضعت الحرب اوزارها، وسميّه ايهود براك ومسؤوليته عن جريمة اكتوبر. والا فما السر في "استلحام" براك في الدفاع عن اولمرت؟ أليس ذلك من باب "حكّ لي احكّ لك"؟!

 

*أم ثابت*

على مدى أيام، ربما منذ بدأ احتضارك حتى رحيلك، تجند رفاقك حول دوار الشهداء، رافعين صرختهم في وجه مزوز والمؤسسة التي يمثلها، وسوف يواصلون الاحتجاج ويصعّدونه في غيابك ايضا. فالحياة لا تتوقف برحيل مناضل، لقد افتقدناك.
فليس بيننا من لا يحتفظ في زاوية من زوايا ذاكرته وقلبه، بشيء منك، ولعلك تعذرينني على ان قدمتُ الجريمة المتجددة بحق شعبنا، على رثائك، لكنني على ثقة بأنكِ لو استُشرت في ذلك قبل رحيلك، لأشرتِ عليّ بما فعلته تماما. فأنت المناضلة والوطنية، بطلة المخيمات الصيفية والتطوعية انتِ. لم تُرزقي بثابت، لكنك كنت أم جميع الابناء. انت الام. انت كل الثوابت. اما المجرمون فيصمهم التاريخ بلعنته، وأما الوطنيون فلا يموتون..

يوسف فرح *
السبت 2/2/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع