كالـصـُّــبـّــار !



يعبّر خروج الحزب الفاشي "يسرائيل بيتينو" من الائتلاف الحكومي، واستقالة رئيسه افيغدور ليبرمان من الوزارة (التي فُصّلت له خصيصًا)، عن ذروة جديدة في أزمة هذه الحكومة. وقبل التوقف عند المواقف الفاشية غير الجديدة التي خرج بها ليبرمان أمس، يجدر بنا التنبيه الى الخلفية الحقيقية التي جاءت عليها هذه الخطوة (المباركة!).
إن ساسة اسرائيل الرسميين يعرفون جيدًا وبالتجربة، وإن كانوا يحاولون دومًا تمويه الأمر، أن احتلالهم الكولونيالي ما انفكّ، وسيظلّ، يقوّض حكوماتهم. فهو يكشف في كل مرة أنه من غير الممكن تفادي مواجهته، حتى لو تم ذلك بشكل صوريّ، كما تفعل حكومة اولمرت-براك اليوم.
فحتى اليوم، عكست حكومة اولمرت التي تعجّ بالتناقضات مزاجًا رسميًا اسرائيليًا لافتًا. نقصد به وَهمَ لملمة أشلاء "إجماعِ قومي" حول عناوين فضفاضة من دون الدخول في تفاصيل القضايا الأساس. هذا الوضع سهّل وجود ليبرمان في الحكومة، ولكن حين وجدت الحكومة نفسها مضطرّة لتشكيل صورة تبدو كأنها تفاوضية مع الشعب الفلسطيني، لم يعد من الممكن لهذا أن يستمر. وبالطبع، لم ينشأ هذا الوضع لأن الحكومة جنحت حقًا نحو سكة السلام العادل، فهي لا تزال تعيش في أوحال الاستقواء الحربي الكولونيالي، ولكن يبدو أن حتى "وهم التفاوض" كثيرٌ على حركة سياسية فاشية منغلقة كـ "يسرائيل بيتينو"!
كيف لا وقد سمعنا هذا العبقريّ المهزوز يعلن أمس أنه سيغيّر قوانين التاريخ.. هكذا! فهو يصرّح بعبرية لم تنضج مفرداتها بعد على لسانه منذ هاجر الى هذه البلاد، بلادنا، أنه لا مكان لمعادلة "الأرض مقابل السلام". لا بل إنه يقترح صيغة "التبادل الجغرافي والسكاني" معًا، أي تابيد الاحتلال يُضاف اليه الترانسفير!
يبدو أن هذا السياسي الوضيع يعاني من ضيق شديد في الأفق، على الرغم من اشتداد زعيقه العنصري. فهو لم يتعلّم أن السلام، بل أدنى التسويات السياسية، ستظلّ مستحيلة بدون احقاق حقوق الشعوب العادلة. كذلك، لم يقرأ جيدًا تاريخ هذه الجماهير العربية الباقية في وطنها، هنا.. فعلى الرغم من توالي محطات القمع والبطش والمجازر الوحشية، لم يزدها العنف إلا عنفوانًا، والألم إلا املا ثوريًا متفائلا.
نحن لا نقلل من خطورة ليبرمان وما يمثّله، ولكن قراءتنا الدقيقة لهذا لا تقودنا الى الخوف، فلن تصطكّ ركبنا أبدًا، بل إن هذا يدفعنا الى تجديد الدم النضالي في عروقنا، نحن وشركائنا التقدميين اليهود، وشحذ ارادتنا القويّة الراسخة بأن نهتم بإيصال هذا المأفون حيثما يستحق: إحدى مزابل التاريخ المفصّلة على مقاسه.
لم تولد جماهيرنا العربية اليوم ولن تغيب غدًا، بل على العكس تمامًا، مثلما صمدت في أحلك الظروف، لن تسمح لشخوص مارقة بأن تضعضع ذرّة من صمودها في وطنها الذي لا وطن لها سواه، ولا من عدالة قضاياها المحفورة على قرص الشمس. فمهما نعق ليبرمان أو عوى، ستظلّ هذه الجماهير باقية باقية، كالصبّار..
ليس هذا الكلام مجرد دعاء أو ادعاء، بل موقف مجرَّب معمّد بقطران التجربة! واذا لم يعجب ليبرمان وأشكاله هذا، فلينقلع، وليعد الى حيث جاء.

(الاتحاد)

الخميس 17/1/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع