البروفيسور رمزي سليمان لـالاتحاد:
الخدمة المدنية - باب لتعميق الأسرلة وتشويه الهُوية وتكريس الهامشية المزدوجة



* عدم الربط بين الحقوق والواجبات هو مقولة مريحة للمحاججة، ولكن اللجوء إليها بشكل مطلق ليس دقيقًا * قد أتفهّم خوف البعض من التطوّع خشية استغلاله لشرعنة الخدمة المدنية، لكن لا غضاضة في طرح بديل وطني يعكس دورًا فاعلا *

الباحث مهند مصطفى: نسف معادلة الهوية والحقوق المطلبية

* يجب طرح مشروع وطني تطوّعي جماعي الآن قبل غدًا *


في حديثه أمس لـ"الاتحاد"، شدّد الباحث مهند مصطفى الذي يحضر لأطروحة الدكتوراه في العلوم السياسية، على وجوب رفض مخطط "الخدمة المدنية" من منطلقين أساسيين. الأول هو أن "الخدمة المدنية" تهدف إلى إعطاء الشرعية لطابع الدولة اليهودي الذي يقصي المواطنين العرب؛ والثاني هو أن المخطط ينفي العلاقة بين الهوية والكرامة من جهة والقضايا اليومية من جهة أخرى.
"لقد نجحت جماهيرنا بواسطة نضالها منذ عشرات السنين في فرض معادلة الهوية والحقوق المطلبية كشقين مترابطين وليس متناقضين"، يؤكد مصطفى، "والخدمة المدنية تسعى إلى نسف هذه المعادلة".
وعن السجال حول ربط الحقوق بالواجبات يعترف مصطفى بأن "هذا نقاش كبير بالفعل.. في سياق واقع العرب الفلسطينيين في إسرائيل، كأقلية وطن أصلية، أعتقد أن علينا التشديد على غياب العلاقة بين الحقوق والواجبات. ولكني أوافق على أن هذا الفصل صعب في سياقات أخرى".
ويبدو مصطفى متحمسًا لإمكانية طرح بديل وطني لمخطط الخدمة المدنية: "أنا أقول إنه يجب طرح مشروع وطني تطوّعي الآن قبل غدًا، ليس كردّ فعل وحسب بل كحاجة مجتمعية في ظل واقعنا السياسي والاجتماعي. ولا أرى أيّ تقاطع بين هذا والخدمة المدنية"، ثم يستدرك: "لكن نجاح مشروع كهذا مشروط بكونه مشروعًا جماعيًا تشارك فيه كل القوى والتيارات السياسية".


(رجا زعاترة)

 

في الجلسة الثانية خلال المؤتمر المناهض لمخطط "الخدمة المدنية" يوم السبت الماضي في مدينة حيفا، والتي تحدثت فيها مجموعة من الأكاديميين والباحثين وناشطي الأحزاب والعمل الأهلي، بدا واضحًا، إلى جانب الإجماع على الرفض القاطع للمخطط، أن ثمة حاجة إلى توضيح بعض حيثيات موقف الجماهير العربية، وخطابها إلى نفسها وإلى المؤسسة الحاكمة والرأي العام الإسرائيلي.
"مخطط الخدمة المدنية هو باب لتعميق الأسرلة وتشويه الهُوية وتكريس الهامشية المزدوجة للعرب"، يؤكد لـ"الاتحاد" البروفيسور رمزي سليمان، رئيس قسم علم النفس في جامعة حيفا وصاحب الإسهام الأكاديمي الرائد في بحث قضية الهُوية وحالة الفلسطينيين في إسرائيل، "لأنها تُطرح كمدخل لمنحنا الشرعية، وكآلية تخدم حاجات المؤسسة والجمهور اليهودي، وتخفيف حدة "تهديدنا" لهما".

 

* شرعنة "الدولة اليهودية"


ويستذكر سليمان ندوة عقدها "معهد الدمقراطية الإسرائيلي" عام 2005، طرح فيها الباحث سامي سموحة مجموعة من المسوّغات لمخطط "الخدمة المدنية"، كان أبرزها تبديد خوف الجمهور اليهودي من العرب وإسباغ الشرعية من جانب العرب على الدولة وعقدها الاجتماعي القائم اليوم، "أي إسباغ الشرعية عمليًا على يهودية الدولة وهامشيتنا كمواطنين عرب. وبطبيعة الحال فإن مشروعًا كالخدمة المدنية ستقوم إلى جانبه برامج تثقيفية تربّي شبابنا على ما يسمى بالانتماء والإخلاص للدولة. يطلبون منا ائتمان السلطة على شبابنا، أي ائتمان المجرم على أبناء الضحية".
ويشير سليمان إلى تداخل مخطط "الخدمة المدنية" بوضعية الهامشية المزدوجة، القومية والمدنية، للمواطنين العرب، وبممارسات الهيمنة من قبل الدولة والغالبية اليهودية، لأن هدف المحافظة على "يهودية الدولة" يقوّض أيّة إمكانية لدمج ومساواة الأقليّة الفلسطينية في إسرائيل.

 

* الحقوق والواجبات


ولا يخفي سليمان عدم استساغته لمعادلة فك الارتباط المطلق بين الحقوق والواجبات في سياق مواجهة المخطط: "إدعاء وجوب عدم الربط بين الحقوق والواجبات هو مقولة مريحة للمحاججة، يمكن من خلالها أيضًا استحضار حالة العرب الدروز وعدم حصولهم على حقوق متساوية رغم أدائهم الخدمة العسكرية. ولكن اللجوء إلى هذا الادعاء بشكل مطلق ليس دقيقًا وفيه شيء من التعميم، فثمة حقوق لا علاقة لها بالمواطنة، يشتقها الإنسان من مجرّد كونه إنسانًا. هذه الحقوق تستبق الحقوق النابعة من المواطنة؛ وهناك حقوق تتحقق للمواطنين فقط، وواجبات أيضًا كالضرائب التي ندفعها. ومن هنا ليس صحيحًا دائمًا الاستناد إلى هذا الادعاء وحده".
وعن مسارعة بعض الجهات إلى رفض أيَّ مشروع تطوّعي حتى لو صدر عن مؤسسات وأجسام وطنية يقول سليمان لـ"الاتحاد": "قد أتفهّم خوف البعض من التطوّع خشية استغلاله لشرعنة الخدمة المدنية. لكني لا أرى غضاضة في طرح بديل وطني للخدمة المدنية مستقبلا ضمن إدارتنا الذاتية. فعلى أهمية التوعية للقضايا الوطنية والهوية والانتماء، يجب أيضًا تطوير مبادرات ذاتية، تعكس دورًا فاعلا وليس فاترًا".
كما يرفض سليمان خطاب نبذ وتخوين الفئة القليلة التي وقعت في فخّ السلطة: "بالعكس.. علينا توعيتهم واحتضانهم وإعادتهم إلى حضن شعبهم وليس نبذهم. حين يكون الشخص مريضًا فالمطلوب ليس عزل المريض بل معالجة أسباب المرض".

 

* أين المشكلة؟


يولي سليمان أهمية للربط بين مفاهيم الهوية والانتماء من جهة والتكافل الاجتماعي والتطوّع من جهة أخرى، ويشدّد على العلاقة المتبادلة بين الهوية والفعل السياسي للفرد والمجموعة، ذلك أن "أحد المعايير الأساسية لقيمة الانتماءات الجمعيّة هو مقدار ما تحرّك فيه هذه الانتماءات أفرادها إلى التبرّع للصالح العام في إطار الجماعة، والقدر الذي يشعر به أفراد الجماعة أنّ في مستطاعهم الاعتماد على جماعتهم حين تقتضي الحاجة".
"بطبيعة الحال"، يستطرد سليمان، "قد يكون من الأسهل اقتصار خطابنا على رفض المخطط من الدولة. ولكن لا يمكن التنازل عن طرح خطاب يقينيّ، أي خطاب إيجابي يؤسّس لإمكانيّات بناء الهوية الجمعية وتطويرها، أيضًا استنادًا إلى عمليات مجتمعية كالتكافل والتطوّع وما إلى ذلك".
وعليه، لا يرى سليمان غضاضة في تطوير برامج تطوّعية وطنية: "بالعكس.. فثمة فائدة كبيرة مثلا في أن يقضي شباب من الجليل جزءًا من عطلتهم الصيفية في النقب في فعاليات تطوّعية لصالح القرى غير المعترف بها.. أين المشكلة في هذا؟ لا بل إن مبادرات كهذه تشكّل إجابة مزدوجة على نهج التهميش المزدوج: لأننا حينها نكون قد عززنا من اللـُـحمة الاجتماعية والهوية الوطنية، وأيضًا نكون حققنا شيئًا ملموسًا في الجانب المدني المطلبي اليومي".
"لا أرى مشكلة أيضًا في انضمام شباب يهود لنشاطات تطوّعية وطنية للمجتمع العربي. فمن المستحسن بالطبع إعطاء مفهوم للتحالفات في إطار المواجهة مع المؤسسة. ومن الأفضل أن يأتي هذا من موقع المبادرة والتحدّي".

 

* عوامل تاريخية


ولكن سليمان يشير إلى عدّة مسبّبات تاريخية لعدم تذويت قيم التكافل والتطوّع في المجتمع العربي: "مجتمعنا، فضلا عن كونه أبويًا، هو مجتمع هرمي، ولدينا عدم ثقة مبرّرة في السلطة المركزية نتيجة تواجدنا دائمًا تحت حكم أجنبي، منذ العهد العثماني مرورًُا بالاستعمار الانجليزي وصولا إلى دولة إسرائيل، وغالبًا ما يكون التطوّع لصالح المؤسسة وبعكس مصلحتنا".
وحول التجارب التطوّعية للجماهير العربية، البعيدة منها والقريبة، لا سيما مخيمات العمل التطوّعي في الناصرة في السبعينات والثمانينات، يتساءل سليمان عن مدى تذويت القوى العلمانية لقيم التنوّر والتكافل والعدالة الاجتماعية، منوهًا بالمقابل إلى قدرة الهويات الدينية عمومًا على تحفيز الأفراد على سلوك يتّسم بالمشاركة.

رجا زعاترة
الجمعة 2/11/2007


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع