تسويات أم تصفيات



إلى جانب قانون الميزانية للعام 2008 والذي أقرته الكنيست قبل أسبوعين بالقراءة الأولى ، أقر  أيضا قانون التسويات ، أو بتسميته الرسمية ، قانون التسويات من اجل بلوغ أهداف الميزانية .
من جهة يطغى على هذه الميزانية طابع العسكرة والنفقات العسكرية ، ومن جهة أخرى يتضح عمق التداخل  بين المال والسلطة ، وخضوع السلطة المطلق لمصالح رأس المال . وقد جاء قانون التسويات لتبرير هذه المعادلة تماما .
من المعيب أن توافق الكنيست على مثل هذا القانون غير الديمقراطي ، والذي يجعل منها ختما مطاطيا بيد الحكومة ،ويسلبها دورها الأساسي كسلطة تشريعية ، وكمراقب على الحكومة . إذ يتم بموجب تلك التسويات تصفية وإلغاء الكثير من القوانين والأنظمة التي عملت الكنيست طوال عام على إقرارها وتشريعها . فعدا عن كونه قانونا معاديا للديمقراطية ، فهو معاد بالأساس للطبقة العاملة ولشرائح المجتمع الضعيفة  والفقيرة ، ويكرس في نفس الوقت هيمنة رأس المال المالي ويفضح دور السلطة في خدمة كبار رؤوس الأموال والاوليجارخيا المالية في إسرائيل .
إن الحديث عن زيادة في ميزانية المعارف ، هو حديث مضلل وغير حقيقي ، فحتى لو كانت هناك زيادة رقمية فان قانون التسويات كفيل بإجهاضها وتعقيد الوضع أكثر . تتحدث وزيرة المعارف عن بناء نحو ثلاثة آلاف غرفة تدريسية في الوسط العربي خلال خمس سنوات ، أي ما يعادل ستة مائة غرفة سنويا ، في حين تبلغ الحاجة السنوية الطبيعية أكثر من أربع مائة غرفة ، والنقص الفعلي اليوم يقارب الستة آلاف غرفة ، وبحساب بسيط يبدو أن سعادة الوزيرة قصدت خطة خمسينية وليس خمسيه لسد احتياجات الوسط العربي في هذا المجال ، والله اعلم ! ولا ادري إن كان قانون التسويات سيتيح فعلا بناء تلك الغرف القليلة الموعودة في الوقت الذي يتم به إلغاء قانون التعليم الإلزامي لصفوف الحادي عشر والثاني عشر ، والذي اقر في  المجلس الأخير للكنيست ، وفي الوقت الذي يتم به تجميد قانون اليوم الدراسي الطويل حتى عام 2014 ، ويتم تجميد قانون إعارة الكتب حتى عام 2014 أيضا .
قانون التسويات ليس اقل ضراوة في مجال الرفاه الاجتماعي ، لا بل يزداد شراسة علما أن الضربات التي يحملها موجهة إلى اضعف الشرائح الاجتماعية ، مثال تجميد مخصصات التامين الوطني والمقلصة بالأصل بنسبة 4% ، تجميد مخصصات المعاقين ومخصصات ضمان الدخل ،
تقليص ميزانيات صناديق المرضى وخصخصة بعض خدماتها ، إلغاء تخفيض ثمن الكهرباء عن ال200 كيلواط الأولى لذوي مخصصات ضمان الدخل ، تقليص قروض الإسكان بنسبة 15% ، تقليص الفائدة بحالة استرجاع الضرائب من 4% إلى 3% ، خصخصة الحضانات والداخليات التابعة لوزارة  الرفاه الاجتماعي ، تقليص عدد عاملي الدولة وتقليص رواتبهم أيضا بنسبة 1% ناهيك عن فرض ضريبة صحية على ربات البيوت ، وهذا فقط غيض من فيض .
إلى جانب كل هذه الضربات يحمل قانون التسويات "بشرى سارة" لمروجي الخدمة المدنية في الوسط العربي ، بحيث يحرر الدولة من دفع أية هبات أو مستحقات مالية لمن خدم مدة 12 شهرا ومثل هذه الأموال تدفع لمن خدم مدة 18 شهرا أو أكثر ، فنعيما "خدمة مدنية" يبدو انه مع قلة عدد المتحمسين والمتطوعين للخدمة لا تستطيع المؤسسة الإسرائيلية استساغتهم وهضمهم !
مع كل ما تقدم باعتقادي اخطر الضربات هي تلك الموجهة للديمقراطية وللقيم الديمقراطية ، فعدا عن توسيع صلاحيات وزير الداخلية بإقالة رؤساء بلديات منتخبين ديمقراطيا ، ومنح بلديات إمكانية إدارة بلديات أخرى ، هناك التفاف حقيقي على السلطة القضائية وتهميش حقيقي للسلطة التشريعية ، ومن الضروري التوقف عند بعض الأمثلة في قانون التسويات ، وأبرزها إلغاء قرار محكمة العدل العليا والذي ينص على موافقة عمال المصانع الحكومية في حالة خصخصتها . أي أن الحكومة ليس فقط أنها تدير ظهرها لآلام الفقراء والعمال وشرائح المجتمع الضعيفة ، بل تدير مؤخرتها أيضا للنظام الديمقراطي واستقلالية القضاء .

 أم الفحم

بقلم: عبد اللطيف حصري
الأربعاء 31/10/2007


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع