الخدمة المدنية .. مشروع بائس



سعت السلطات الاسرائيلية على مدار الستين عاماً، وحتى اليوم لتقسيم الاقلية العربية الى اقليات وفئات من ملل وطوائف وعائلات وأفراد، حيث تعمل بصورة دائمة ومنهجية لاختراق هذه الاقلية وتفتيتها من خلال المشاريع العنصرية التي تختلقها بغية الحصول على هذا الأمر، ناهيك عن الحرمان من المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية والتمييز القومي الذي تمارسه السلطة بحق الاقلية العربية .
هنالك ادعاء معروف تتخذه الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة مبرراً بغية تبرير التمييز بحق الاقلية العربية، حيث يأتي في هذا الادعاء أن المساواة التامة لا يستحقها الا من ادى واجباته كاملة، والقصد من وراء هذه المقولة كان  - فقط ولا زال - الإشارة الى عدم خدمة المواطنين العرب في الجيش الاسرائيلي وبالتالي التأكيد على انهم لا يؤدون واجباتهم كاملة وكي تتخذه مبرراً لعدم منح المساواة لهذه الأقلية .
وهنا يسأل السؤال الهام الذي يتغاضى عنه من يحاول الانخراط في احدى المشاريع التي تبدع بأبتكارها السلطة، فهل، على الاقل، من يؤدي "واجباته كاملة" ويستحق الحصول على المساواة التامة وعدم التمييز بحقه ، يحصل عليها فعلاً ولا يميز بحقه؟
لقد اثبت الواقع ويثبت أن ليس للتمييز ضد الاقلية العربية ثمة علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، بالخدمة العسكرية أو بالواجبات الكاملة، فصحيح أن الاقلية العربية لا تخدم في الجيش الاسرائيلي من منطلقات انسانية وضميرية ووطنيّة ولكن هنالك سبب هام آخر يتلخص بعدم ثقة الدولة بمواطنيها العرب ورفضها فكرة تجنيدهم، من هنا ومن منطلق أن المواطنين العرب لا يريدون الخدمة في جيش القمع، وجيش القمع بدوره أيضاً لا يريد المواطنين العرب بين صفوفه، حاولت السلطات وما زالت ايجاد بديل للخدمة العسكرية يخدم فيه المواطنون العرب يكون تابعاً للأجهزة الأمنية فأوجدت لهم ما يسمى بمشروع الخدمة المدنية أو الوطنية أو غيرها من الأسماء التي يحملها هذا المشروع !! وتحت مسؤولية وزارة الأمن!؟! .
ان هذا المشروع البائس يمهد الطريق ويسله أمام الشباب العرب كي ينخرطوا في الاجهزة الامنية المختلفة بعد محاولة "ترويضهم" وتهجينهم  في هذا المشروع، ويهدف كذلك إغراء الشباب العرب وابعادهم عن الاقلية كي تتعامل معهم السلطات كأفراد لا كمجموعات الامر الذي قد يسهل المهمة عليها في فرض نواياها المبيتة ضد الاقلية العربية .
ان خدمة الشباب العرب في الخدمة العسكرية أو في اي بديل لها لا ولن يغير أو يقلل من التمييز القومي ضد هذه الاقلية، ولن يستطيع هؤلاء الشباب الذين تم اغراءهم أن يحصلوا حقوقهم الفردية بأكملها أو الحقوق الجماعية للأقلية العربية .
في أوج الدعوة للانخراط في الخدمة المدنية تبحث لجنة الاقتصاد البرلمانية اقتراح قانون الكيرن كييمت العنصري ، الذي ينص على منع تأجير وبيع الاراضي "التابعة" للكيرن كييمت للمواطينين العرب! هذا المشروع هو مشروع اخر من المشاريع التي جاءت لتعزز سياسة التمييز القومي التي تنتهجها السلطات الاسرائيلية، وللتذكير فقط فإن أكثر من ثلاثة ارباع اراضي الكيرن الكييمت هي اراض عربية سيطرت عليها الكيرن كييمت بأساليب المصادرة والنهب المختلفة .
حتى لو سلمنا بأن علينا نحن الشباب العرب الانضمام للخدمة المدنية يجب أن يسأل السؤال التالي :
 ماذا يستطيع أن يغير انخراطنا كشباب العرب  في الخدمة المدنية من واقع التمييز والقهر الذي تعيشه الاقلية العربية؟
• هل سيتغير قانون العودة أو قانون الجنسية الذي يميزكل واحد منهما بصورة مختلفة ولكن دقيقة  ضد المواطنين العرب، حيث يختص هذان القانونان بقضيتي الهجرة الى الدولة والعودة والحصول على الجنسية الاسرائيلية (لضمان البقاء فيها على الأقل) ويستطيع من يمر على هذين القانونين أن يرى العراقيل التي وضعت فيهما امام غير اليهود (العرب في الاساس) للحصول على حق العودة أو التجنيس، فكل عربي يريد الجنسية الاسرائيلية عليه أن تتوفر فيه ستة شروط عنصرية مجتمعة، لا يستطيع اي انسان غير يهودي ان تتوفر فيه الشروط تلك؟
• هل ستتغير، بقدرة قادر، أهداف التعليم الرسمي في البلاد التي تتجاهل تجاهلاً تاماً وجود المواطنين العرب كأقلية قومية لها تراثها وتاريخها وانتماؤها القومي والحضاري؟
• هل ستعاد للشباب العرب اراضي اجدادهم التي صودرت عنوةً، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هل سيعاد الى اهالي الشاغور ( نحف ، دير الاسد والبعنة ) اكثر من 5100 دونم من اراضيها التي اشتملت على مصادر رزق كثيرة أعتمد عليها اهالي تلك القرى في تحصيل قوت أطفالهم والتي تم مصادرتها سنة 1962 تحضيراً لأقامة مدينة كرميئيل، وهل سيعاد لأهالي الناصرة وقراها الاف الدونمات التي صودرت منذ سنة 1953 لإقامة مدينة "نتسيرت عيليت"، وهل ستعاد اراضي سخنين، عرابة الخصبة الى فلاحيها ويتم نقل مشروع المياه القطري من هذه الاراضي؟
• هل ستنقل المناطق العسكرية من محاذاة البلدات العربية كما هو الحال في سخنين حيث لا يفصل بين مدرستي الحلان الاعدادية والثانوية من جهة والمنطقة العسكرية من جهة اخرى سوى بضع امتار قليلة، وكذلك الامر في طرعان وعيلبون؟؟؟
• دولة اسرائيل تعرف نفسها بانها "دولة اليهود"، فهل الخدمة المدنية ستجبر السلطات باعادة النظر في هذا التعريف؟

ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ترى في المواطنين اليهود أصحاب الحق الطبيعي الوحيدين لتلقي الحقوق التي تمنحها الدولة لمواطنيها، وما الخدمة المدنية سوى مشروع اضافي يهدف الى ترويض المواطنين العرب وتفتيتهم الى اقليات وافراد.
لقد تناول العديدون وفي فرص مختلفة هذا الموضوع بالذات، وقد طرحت العديد من البدائل للخدمة المدنية وهذا ليس كافياً، فيجب القيام بالبدائل وليس الحديث عنها فقط. وهكذا فعلت الشبيبة الشيوعية في ردها على هذا المشروع، حيث قامت الشبيبة الشيوعية في الناصرة بتنظيم حملات عمل تطوعي في احياء الناصرة، وقامت الشبيبة الشيوعية في عرابة وكفر ياسيف وغيرها  بهذا الأمر ايضا، والذي يذكر بتلك الفترة التي بنت فيها سواعد الشباب العرب تطوعاً المدارس والجدران ونظفت الشوارع وعبدتها ، هذه هي "الخدمة المدنية" التي على الشباب العرب ان يقومون بها ويتبنوها وليس ما يملى عليهم من قبل وزارة "الأمن" .
ان الحصول على الحقوق كاملة لا ولن يتحقق من خلال الخدمة المدنية او العسكرية، فلا يستطيع أياً كان الحصول على حقوقه كاملة الا اذا كان " يهوديا" (حسب وجهة نظر السلطات). وما يثبت ذلك هو وضع المواطنين العرب الدروز، الذين لا تختلف اوضاعهم عن باقي الاقلية العربية بالرغم من أن الشباب الدروز يخدمون في جيش القمع ، حيث يلاحظ ان سياسة المصادرة والتمييز القومي والاضطهاد هي ذاتها . 
ففي بداية سنة 1989 قامت مجموعة من الجنود الدروز المسرحين من سكان قرية جت الجليليّة، الذين يعانون ضائقة سكنية بالطلب الى السلطات الاسرائيلية السماح لهم بالاستيطان في بلدة جيتة التي تبعد عن قريتهم 2 كلم، والتي اقيمت على اراض سبق وأن صودرت من قريتهم. فكان الجواب الرفض، والسبب هو أن الوكالة اليهودية هي المسؤولة عن اسكان هذه المناطق والدروز ليسوا يهوداً!! بالرغم من ان رئيس هذه المجموعة كان ضابط احتياط برتبة عالية وكان احد مؤسسي الحلقة الدرزية الصهيونية، وجاء طلب هذه المجموعة بعد أن غادر سكان جيتة اليهود وتركوها بسبب الصعوبات الاقتصادية .
من هذا المثال يستطيع القارئ ان يلمس نوعين من التمييز، فالخدمة العسكرية لم تشفع للمواطنين الدروز ابناء الاقلية العربية ولم تحفظ لهم اراضيهم التي لم تستثنيهم من مسلسل المصادرة المستمر ولم تمنحهم الحق في الحصول على حل للأزمة السكنية مثل المسرحين اليهود، فهل تستطيع الخدمة المدنية ان تشفع لمن يؤديها؟
حتماً ما يقال من قبل المؤسسات المروجة لهذا المشروع مجرد طُعم يحاولون فيه ايقاع الشباب العرب في شرك الاجهزة الامنية الاسرائيلية التي لا تريد لهم ان يرفعوا رؤوسهم مطالبين بحقوقهم المستحقة .
على الشباب العرب ان يقولوا لا للخدمة المدنية ، لا لربط الحقوق بالواجبات والعقل والمنطق يقولان : في الوقت الذي يواجه فيه شعبنا الفلسطيني البطل بطش الاحتلال وجرائمه ، لا مكان للشباب العرب أخلاقياً وانسانياً وضميرياً ووطنيًا مجرد التفكير في الانضمام لأية خدمة كانت تسميتها من المدنية الى القومية وحتى العسكرية،  سيما وأننا شعب لطالما قلنا ونقول اننا جزء لا يتجزأ من الشعب الصامد الذي يقدم شهداءه في سبيل الدفاع عن الارض والوطن والمسكن ودفاعاً عن حقه الشرعي في العيش بحرية وكرامة ..
لقد اثبت الواقع على مدار السنوات الاخيرة ان النضال وحده قادر على تحصيل حقوق الاقلية العربية كأقلية، وليس هنالك بديل للنضال خاصة وأن كل ما حصلت عليه الاقلية العربية من حقوق استطاعت تحصيلها من خلال النضال الجماهيري والوحدة لا من خلال اذدناب ضعيفي النفوس للسلطة.

عرفات بدارنة
الخميس 18/10/2007


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع