نستذكر سنويا، في هذه الفترة، قبيل الأعياد اليهودية، وضع الفقراء في إسرائيل، حيث تصدر مؤسسة التأمين الوطني تقريرها السنوي حول وضع الفقراء في إسرائيل، وعددهم، وما إلى ذلك.
ويحلو للإعلام الإسرائيلي، التعامل مع الفقراء كقضية رقمية، يضيف إليها وجهًا إنسانيًّا عندما يدخل منزل أحد الفقراء، ويصور الثلاجة الخاوية، أو الأطفال الجائعين، واضعًا الخط الأسود على عيونهم كي لا يميزهم المتفرجون أو القراء!!!
وبعد مرور يوم أو اثنين على صدور تقرير الفقر، وعلى الطنطنة له في الإعلام، وعلى مستوى مؤسسات الدولة، تعود الأمور إلى "طبيعتها"، وكأن الفقراء من خارج هذه البلاد أو هذا العالم، يزوروننا يومًا واحدًا، ويغادرون!!
لكن لا، فالفقراء هم نحن جميعا. نحن المواطنون الذين لا يعرفون كيف نكمل الشهر، والذين لا يملكون القوارب الفخمة، والطائرات الخاصة، وملايين ومليارات الدولارات. نحن الفقراء ولا يمكن أن ننسى أنفسنا، فنحن الذين تنتقص الدولة من معاشاتهم ومخصصاتهم وغذاء أطفالهم، كي تطعم أبناء شيري أريسون واركادي غايدماك وليف ليفاييف المساكين!!
يجب علينا أن لا نسمح لهم بنسياننا، يومًا واحدًا بعد "الاحتفال" بنا إعلاميّا، وإقناع ضمائرهم، لمن بقي لديه ضمير يوجهه، أن هذه البلاد ومواطنوها وأغنياؤها ومؤسساتها هي بلاد مرهفة الحس، وإنسانية المشاعر!! يجب أن لا نسمح للعالم أن ينام بضجيجه على أجساد مئات ألوف الفقراء في هذه البلاد، وينسى ألمهم، ويظن أنه في حال لم يرهم، فإن الفقراء يختفون من الوجود!! علينا إفهامهم أن حياة فقير واحد، ومعيشته بكرامة، أهم من كل أموال أولئك الذين يسرقون مقدراتنا كي ينعموا ببذخ الحياة، ويطعموا أنفسهم حتى التخمة، فجوع مئات آلاف الفقراء في هذه الدولة، والمليارات منهم في أنحاء العالم، كافر، لن يترك المجال لإله المال والبذخ، أن يحكم على الفقراء بجهنم الفناء، بصمت، سنة كاملة، إلى أن يصدر التقرير القادم. كلا وألف كلا... على صرختنا أن توقظ العالم من سباته، ومن لا مبالاته. نحن أحياء، موجودون هنا تحت أنوفكم، لا نترككم، ولن ندعكم تهنأون بحياتكم، طالما لم نهنأ نحن بحياتنا... سنبقى مكاننا نصرخ ونصرخ ونناضل، إلى أن ينقلب ميزان العدل، ويميل إلى صالحنا، فما من راكب بقي راكبًا، وما من ماشٍ مات وهو يسير!!