كلمة <<الاتحاد>>
فزّاعة اللاسامية!

لم يفلح وزير الخارجية غير اللامع سيلفان شالوم في جعل "الاتحاد الأوروبي" يغيّر سياسته التي تشمل هامشًا لا بأس به من النقد للسياسة الاسرائيلية. بل إننا رأينا كيف اضطر على التراجع عن المقاطعة الصبيانية للموفد الأوروبي الى الشرق الأوسط مارك أوتي، الذي يصرّ على التقاء الرئيس الفلسطيني التاريخي والمنتخب ياسر عرفات. فمن قال إن القارة الأوروبية أو سواها مجبر على التقيّد بالترّهات السياسية المنفوخة المتصاعدة من مائدة حكومة اليمين والاستيطان في اسرائيل؟

إحدى النقاط الهامة في المحادثات الاسرائيلية - الأوروبية التي جرت في العاصمة البلجيكية بروكسل تمحورت حول الاتهامات الرسمية الاوتوماتيكية بـ "اللاسامية" لكل من ينتقد أو حتى لا يتفق مع سياسة حكومة اليمين الاسرائيلية. فقد أوضح السياسيون الأوروبيون للوزير الاسرائيلي اليميني متوسّط الموهبة أنه لا يُعقل القبول بواقع يصبح فيه اعتبار كل انتقاد للسياسة الاسرائيلية وكأنه معطى يندرج ضمن اللاسامية. وأضافوا بحسب تقارير، أن الزعم الرسمي الاسرائيلي بوجود "موجة من اللاسامية في أوروبا" هو كلام عار عن الصحة، وهذا من دون إنكار بعض المظاهر العنصرية بحق اليهود وغيرهم في هذه القارة.
والحقيقة أنه آن الأوان لوقف هذه الوقاحة الحكومية الاسرائيلية التي تمسّ بذكرى ضحايا النازية اليهود أنفسهم أولاً، عبر تحويلها الى فزّاعة للخروج من المآزق السياسية المترتبة على سياسة الاحتلال الاجرامية. فمن قال أصلا إن هؤلاء السياسيين والعسكريين المتربعين على الحكم الاسرائيلي يملكون حق التمثيل المطلق لضحايا آلة الحرب النازية البشعة؟

إن احترام ذكرى هؤلاء الضحايا، من اليهود وغيرهم، هو موقف إنساني أخلاقي تقدّمي، نجاهر به دون تأتأة. وممنوع السماح لحكومة تحاول تمرير مخططات توسعية واستيطانية من خلال اقتراف جرائم الحرب اليومية بحق الفلسطينيين أن تقصف العقول وتصادر الحقيقة، لأنها بمستواها السياسي والأخلاقي المتدني لا تملك ببساطة حق النطق لا باسم ضحايا النازية ولا باسم كل يهود العالم.

وفي هذا السياق يجب إعادة التأكيد أن سياسة الحرب والاحتلال الاسرائيلية بالذات، هي ما يهدد حياة مواطنيها وحياة أقليات يهودية في العالم. ولو كانت هذه الحكومة مسؤولة وتهتم بسلامة ومستقبل مواطنيها فعلا، وليس بمخططات جنون التوسع العسكري، لتوجّب عليها العدول الفوري عن نهجها الدموي. فهذه السياسة هي هي ما يمس بالاستقرار والأمن، ليس في اسرائيل وحدها بل في منطقتنا وخارجها أيضًا، وهذا ما أكدته، بحق، غالبية الشعوب الأوروبية في استطلاع واسع، مؤخرًا.
فاللعب بالدماء، على هامش عولمة جرائم البيت الأبيض الأمريكي ومجروراته (وإسرائيل في مقدمتها)، والذي تتورط فيه مجموعات غيبية وعنصرية في شتى المواقع، يجد له في السياسة الاسرائيلية وقودًا شديد الاشتعال. ولن ينفع حكّام اسرائيل، لا الاتهامات الأخلاقوية للآخرين بالارهاب، ولا التباكي الكاذب باسم ضحايا نحترم ذكراهم بوضوح وصدق ونرفض استعمالها في بورصات السياسات اللئيمة. أما الطريق الوحيد فهو الجنوح الى الرشد السياسي والتسوية العادلة مع الشعب الفلسطيني من خلال قيادته الشرعية.

(الاتحاد)
الأربعاء 19/11/2003


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع