يوم الأرض في روما: بين الذاكرة والفن الفلسطيني



لم يكن برنامج الجالية الفلسطينية في روما مساء يوم الخميس الفائت في ذكرى يوم الأرض الخالد مجرد ندوة سياسية، لإحياء ذكرى مأساوية مر بها الشعب الفلسطيني قبل 31 سنة، وما زالت جروحها تؤلم حتى اليوم، بل كان لقاء مؤثرا بين ذكريات الماضي ورزنامة الحاضر، بين الانتماء إلى الأرض المسلوبة والأشتياق اليها، بين الاشتياق إلى الوطن وتجديد الانتماء اليه، مهما أبعدت المسافات وانشقت الطرقات. ُطبعت أهمية هذا اليوم على وجوه الحاضرين من فلسطينيين وعرب وإيطاليين، وامتلأت القاعة الموجودة في إحدى مناطق روما المركزية الجميلة، برائحة الوطن الفلسطيني وبدأت المنصة تسضيف من يشهد على أهمية يوم الأرض وضرورة الانتماء اليه. وكان الصحفي الفلسطيني الكبير، سمير القريوطي، المقيم في روما منذ فترة طويلة ورئيس الجالية الفلسطينية في إيطاليا، عريف اللقاء وهو أول من القى كلمته المعبّرة مذكرا الحاضرين بيوم الأرض وأهميته التاريخية المؤلمة، مشيرا إلى أن الشعب الفلسطيني هو شعب واحد، وما وقع على فلسطينيي الداخل اي "عرب 48" في يوم الأرض، وقع على جميع الفلسطينيين أينما تواجدوا.
وقد ألقى كلمات اخرى كل من السفير الفلسطيني في إيطاليا صبري عطية، والدكتور يوسف سلمان ممثل الهلال الأحمر الفلسطيني في إيطاليا، والسيد دومينكو جالّو، رئيس جمعية أصدقاء الهلال الأحمر الفلسطيني، وأخيرا السيد ألبرتو لا فولبي، رئيس الجمعية الدولية إيطاليا – فلسطين. وقد أكد كل منهم على ضرورة إحياء ذكرى هذا اليوم التاريخي وضرورة العمل لتغيير مأساة الوضع الفلسطيني القائم.
ودعا القريوطي أسقف القدس للروم الكاثوليك، الفلسطيني اللاجئ السياسي لدى حاضرة الفاتيكان، الاسقف هيلاريون كابوتشي، لإلقاء كلمته ملقبا إياه ? "أمير القدس" كما كان يلقبه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي ربطته معه علاقة صداقة حميمة. كانت كلمة الاسقف كابوتشي قصيرة جدا ولكنها كانت كافية لتشعل الحماس بين الحاضرين، ولتؤكد أن الواجب الوطني هو واجب انساني لا يعرف التمييز الديني. أكد الاسقف في كلمته على ضرورة احلال السلام في المنطقة، وطلب من إسرائيل أن تنسحب من جميع الاراضي الفلسطينية (1967) وأن تحترم القرارات الدولية وأن تعطي الشعب الفلسطيني حقه بالعيش بكرامة، مشيرا إلى ضرورة الحوار السلمي بين الشعبين، والاعتراف بدولتين مستقلتين مجاورتين. "الشعب الفلسطيني – قال كابوتشي – يعاني يوميا ويتعذب جراء ما يحصل في تلك المنطقة لذلك فإن السلام هو الحل الوحيد للخروج من هذا الوضع، ولكن يجب أن يكون سلاما عادلا. لذلك فإننا قررنا أن نعيش في وطننا فلسطين إما بكرامة وسلام أو أن الموت افضل لنا". "وأخيرا – تابع الاسقف – أتوجه إلى الاصدقاء اليهود وأقول لهم إن الله لم يخلقنا لكي نقتل بعضنا البعض ولكن لكي نحب بعضنا البعض، فعلينا جميعا العمل بكل طاقاتنا وإمكانياتنا لكي نتوصل إلى السلام. كفى لسفك الدماء والإرهاب والعنف، وهيا لنعش مع بعضنا بمحبة وسلام في الارض المقدسة التي أصبحت للأسف ارضا ملعونة".
ومن الجدير ذكره هو أن الأسقف كابوتشي أصبح رمزا وطنيا فلسطينيا، وقد حظي بأهمية إعلامية عالمية، بعد أن تم القبض عليه من قبل المخابرات الإسرائيلية في 18 أيلول سنة 1974، بتهمة تهريب السلاح بسيارته الخاصة (كونها سيارة دبلوماسية لا تخضع للرقابة) وإعطائه للمقاومة الفلسطينية، وعلى طبيعة علاقته مع حركة فتح ودعمه المستمر للمقاومة الفلسطينية، وقد حكم عليه من خلال محكمة إسرائيلية بالسجن 12 سنة. ولكنه بقي سجينا مدة ثلاث سنوات فقط وذلك بعد أن قام قداسة البابا بولس السادس بكتابة رسالة أرسلها في سنة 1977 إلى الرئيس الإسرائيلي أفريم كتسير طالبا إياه السماح للاسقف باللجوء إلى حاضرة الفاتيكان. ومنذ ذلك الوقت يتابع الأسقف مسيرته الوطنية ضد التعنت الاسرائيلي من خلال المظاهرات واللقاءات السياسية التي تعالج القضية الفلسطينية.
ومن المؤكد أن يوم الأرض في روما لن يمر دون ذكر بعض المناضلين الذين دافعوا عن القضية الفلسطينية بجميع الوسائل السلمية والأدبية والنضالية داخل الخط الأخضر والذين كان لهم دور كبير في الحفاظ على الهوية الفلسطينية، مثل القائد الكبير والشاعر توفيق زيّاد والكاتب إميل حبيبي والشاعر محمود درويش وكل من دافع ويدافع عن واجبه الوطني الفلسطيني أينما وجد.
وبعد إلقاء الكلمات من قبل الضيوف وبعد استراحة قليلة، حان موعد اللقاء مع الفن الفلسطيني ففُتح ستار المسرح وبدأت مسرحية "المتشائل" للكاتب إميل حبيبي ومن تمثيل الفنان الفلسطيني، الكبير محمد بكري تسرق انتباه الحاضرين. كانت المسرحية المضحكة بمثابة الرجوع إلى الماضي بالنسبة لكثير من الفلسطينيين المتواجدين في القاعة، فقد سمحت لهم العودة إلى وطنهم وإلى ألوانه الجميلة، إلى عاداتهم وتقاليدهم وإلى علاقاتهم بجيرانهم، إلى فلسطين الحبيبة... إلى حيفا وعكا وعيلبون وكفر قاسم وترشيحا وسخنين والناصرة...وإلى جميع البلاد وما حصل لها إزاء الإحتلال الإسرائيلي. فأصبحت قصة سعد النحس المتشائل وإبنه ولاء قصة كل منهم، وفاحت رائحة اللوز والرمان والتين والزيتون والعنب والبرتقال والزعتر في القاعة، وارتسمت الابتسامة على الوجوه لوجود رابط الهوية بين قصة المسرحية والقصص الحقيقية التي مر بها ربما جميع المتواجدين في القاعة. وقد استطاع الفنان محمد بكري من خلال أدائه الجميل أن يُشرك جميع الحاضرين ليكون لهم دور في المسرحية، وذلك من خلال الأغاني الفلسطينية القديمة التي لم تمح من ذاكرتهم بغض النظر عن السنين العديدة التي مرت.
ولكن للأسف الشديد سرقنا الوقت وانتهت المسرحية، ولكنها استطاعت أن تترك في داخل الحضور الابتسامة الجميلة التي سافرت بهم عبر الجبال والطرقات والبحار إلى وطنهم فلسطين، لإحياء تلك اللحظات الجميلة التي مهما كان الاحتلال قويا فهو لا يستطيع أبدا أن يمحوها.
وقد تابع الفنان محمد بكري رحلته الثقافية ليقدم مسرحية "المتشائل" في مدن إيطالية أخرى التي تحتضن المغتربين الفلسطينيين، وليجعلهم يشعرون هم أيضا بانتماهم الثقافي الفلسطيني الذي يعتبر المحرك والسلاح الذي بإمكانه أن يخدم المشروع التحرري الوطني الفلسطيني.

(خاص بـ "الاتحاد" – روما)

عصام بلان *
الأربعاء 4/4/2007


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع