لا يعقل أن تتحول ذكرى يوم الارض الى مجرد حيّز آخر للمنافسات الحزبية والفئوية
يوم الأرض وبقيّة السّنة



أين تذهب الألوف التي تشارك كلّ سنة في نشاطات إحياء ذكرى يوم الارض؟ هذا سؤال موجه للقيادات، ليس مناطحة، بل اعترافًا وإقرارًا بصلاحياتها وبمسؤوليتها. سبق أن تناولت هذه الأسئلة قبل سنوات، وأعيدها اليوم أيضًا.
في بعض الأحيان قد تتحول المظاهرة الى عكس المطلوب منها. بدلا من أن تكون تعبيرًا احتجاجيًا زخمًا يجسد ذروة حالة تراكمية من العمل، قد تتحول الى مجرد متنفس. هنا، يتهدد المظاهرة خطر الانمساخ الى "رفع عتب" او "تتميم واجب" لا غير.
على سبيل الاستطراد، يلاحَظ أحيانًا وجود إفراط في الشعارات التي تبدو تصعيدية، وفي الاقتراحات الغاضبة، ولكن دون الخوض في السؤال الأهم: ما هو مردودها، وما هو الهدف منها؟ أليست هذه هي أسئلة السياسة، سلوك محدد من أجل تحقيق هدف؟
المشكلة في شكل تنظيم النشاطات الشعبية المرتبطة بذكرى أحداث معينة (مثل يوم الارض)، هي أن السلوك المرتبط بالطابع الطقوسي للحدث، قد يطغى على فعل حكّ الدماغ الضروري من أجل الإتيان بفعل مخطط ومحسوب ذي وقع وأثر و"قطران"! فمن غير المجدي الاكتفاء بالتحديد المسبق لليوم والتاريخ على التقويم السنوي، بغية القول لاحقا بشكل استرجاعي:  لقد أحيينا الذكرى وعلى الدنيا السلام.. كلا، لا سلام في هذا، ولا مساواة أيضًا.
إحياء الذكرى مطلوب، لما فيه من معان أخلاقية ووطنية وسياسية.  الى جانب هذا، من المهمّ السؤال عن كيفية التخطيط لنشاط منظم لا يحوّل الذكرى الى يوم يتيم. بل يجعلها نقطة فاصلة بين عمليتين مترابطتين. أي أن تشكل تكثيفًا لنشاط تصاعدي نحو يوم الذكرى المقصودة من جهة، وأن تلعب دور الحدث الذي يؤجج النشاط نحو السنة القادمة، من جهة أخرى.
من المهم التمعّن في ما يمكن لهذه القوة الجماهيرية أن تنجزه طيلة أيام السنة، تلك السابقة وتلك اللاحقة ليوم الذكرى المحدد؟ فيوم الأرض ليس مجرّد حدثٍ وقع في الماضي. بل إن قضايا ومضامين ومعاني يوم الأرض لا تزال راهنة وتتخذ أشكالا متجددة دومًا. وبذلك، فهي تفرز أشكالا جديدة من التحدّي.
إن مسألة الأرض ليست منظومة من الرموز فحسب. إنها ليست رمزًا لـ "الهوية" و "الانتماء" و "الكرامة" فقط. لا. إنها ذات تجليات انسانية ملموسة ومُعاشة. إنها قضية الزوجين الشابين اللذين يبحثان عن مكان يبنيان عليه (أو يستأجران) بيتًا. إنها الفضاء الذي يجب أن يتطور عليه مصنع، حديقة عامة، ملعب، مكتبة أو منطقة سياحية. هذه أمور ملموسة جدًا، مادية جدًا، وهي تحتاج بالتالي الى ممارسة ملموسة جدًا.
ربما يجب التوقّف عند ثلاث نقاط:
1. كيف تترجَم المضامين التي يتفق عليها الجميع، والمرتبطة بيوم الأرض، لننتقل بها من مرحلة الترميز، الى مرحلة مواجهة قضايا الحياة اليومية. تلك التي يملؤها غبار الأرض، وليس الملفوف منها بمصطلحات منقطعة عن الناس.
2. ما الذي يجب عمله حتى تتم الاستفادة من الطاقة الأقوى – الطاقة الشعبية – لإنجاز وتطوير قضايا، هي الصُّلب الصلب لقضية الأرض. وليس الاكتفاء بهذه الطاقة الجبارة في المسيرة السنوية التقليدية، على أهميتها، فحسب.
3. متى نريح أنفسنا من الكلام الانشائي الكبير الذي يتعامل مع الارض في سياق السياسة بلغة الشعر والخطابة، بدلا من اعتماد مفردات التخطيط والاقتصاد.
بين كل 30 آذار و 30 آذار، هناك وقت كاف لوضع برامج عملية، غير فوقية، من أجل تحديد قضايا محددة وإثارة النضال حولها. ليس كرد فعل على خطوة سلطوية محتملة قادمة فقط، بل من خلال إجراء مسح ما، يتم من خلاله تحديد عدد من الاهداف القابلة للتحقيق (وليس المرّيخيّة)، والعمل على انجازها، وبمشاركة شعبية أولا.
في نهاية المطاف، لا يعقل أن تتحول ذكرى يوم الارض الى مجرد حيّز آخر للمنافسات الحزبية والفئوية، ولرفع الأعلام المختلفة بأيدي شبّان وشابات رائعين، فيهم من الطاقة والصدق ما يزعزع الجبال، لو عرف أصحاب المسؤولية كيف يطلقون طاقاتهم بالاتجاه البنّاء والمثمر.

هشام نفاع
السبت 31/3/2007


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع