"وذكّر إن نفعت الذكرى"



يوم الارض لم يأت صدفة في حياة الجماهير العربية، وانما سبقته نضالات لا تعد ولا تحصى، قادها بالاساس فرع الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وقد عانت جماهيرنا العربية منذ قيام دولة اسرائيل بقيادة ورئاسة بن غوريون اولا، وخلال جميع الحكومات المتوالية على الحكم حتى يومنا هذا من القوانين العنصرية والمجحفة. وهذه الجماهير العربية التي بقيت في بيوتها وعلى ارضها حتى يومنا هذا ذاقت الامرّين من هذه القوانين ومنها قانون "الحاضر غائب" هذا القانوني الذي بموجبه نجحت حكومة بن غوريون من مصادرة جميع اراضي العرب الغائبين المهجرين منهم والحاضرين ايضا، وتلا هذا سن قوانين الحكم العسكري الجائر، وهذا القانون اعطى للحكام العسكريين في مختلف القرى العربية في المثلث والجنوب والجليل الحق في اعداد قوائم سوداء باسماء القوى الشيوعية والاصدقاء حيث لم يسمح لنا بالحصول على تصاريح للبحث عن العمل في مدن اسرائيل المختلفة، هذه التصاريح التي كانت تصدر عن مكاتب العمل المختلفة في البلاد، واحيانا كان طالب التصريح يضطر الى دفع ثمن هذا التصريح وبالوساطة واما الشيوعيون واصدقاؤهم فانهم كانوا محرومين من هذه التصاريح، ولعب عملاء الحكم العسكري في تلك الايام دورا كبيرا في تضليل هؤلاء العمال وخاصة الممكن تضليلهم، بالتراجع عن عضوية الحزب او الشبيبة مقابل نيل هذا التصريح، والتصريح كان لفترة مؤقتة لشهر واحد وكل وما اسعد من كان يحصل على اكثر من هذه المدة.
لقد لعب مؤتمر العمال العرب في الطيبة والرملة واماكن عديدة مثل الناصرة وغيرها دورا كبيرا في مساعدة العمال العرب للحصول على اماكن عمل سواء في المزارع او المحاجر والكسارات التي كان يعمل فيها العمال العرب بالقرب من الطيبة، وكانوا يتقاضون المعاشات الضئيلة وبالكاد تسد الرمق.
وقد نجح الحزب واصدقاؤه باجبار اصحاب هذه الكسارات على رفع اجور العمال، وكذلك رفع اجور العمال الذين كانوا يعملون في قطف الحمضيات. وكان العمال اليهود الذين التقوا مع العمال العرب، من المهاجرين من العراق الى اسرائيل منهم طردوا بالقوة ومنهم بالاغراءات والتضليل، ولكن فرع الحزب في الطيبة نجح في تجسيد العمال العرب من الطيبة والعمال اليهود الذين كانوا يسكنون في المعابر تحت ظروف قاسية، واعلن الاضراب، وقاد هذا الاضراب محمد ابو سارة عازم الذي اقام لجنة اضراب ونجح في زيادة اجورهم رغم انف اصحاب العمل وحطم محاولة الشرطة بجلب عمال بالاجرة لكسر شوكة المضربين ولكنهم فشلوا.
كنت مضطرا للتطرق الى هذه الامثال حتى يتأكد القارئ من الظروف القاسية التي عمل في ظلها الشيوعيون في المثلث على الاخص واصدقاؤهم في قيادة وانجاح هذه النضالات الهامة، ولقد ساعد اعضاء الكنيست توفيق طوبي اطال الله في عمره، وماير فلنر رحمه الله، اللذان ومع اعضاء الكنيست الآخرين مثل اميل حبيبي ايضا، تمكنوا من القيام بزيارة هذه الفروع لشد عزيمتها. ولقد تعرض هؤلاء الرفاق الى الضغط والاقامات الجبرية والاعتقالات والذهاب الى السجون والمنافي، وفقط بمساعدة اعضاء الكنيست هؤلاء، صمد الشيوعيون في تلك الايام القاسية، ليس فقط هذا، بل فرض على قرانا في تلك الاوقات منع التجول من الساعة السادسة مساء وحتى الساعة السادسة صباحا، وكان من الممنوع على أي مواطن عربي في المثلث التواجد خارج حدود القرية خلال هذه الساعات. هذا قليل من كثير من النضالات التي قام بها رفاقنا، وانا شاهد على هذا منذ قيام فرع الحزب الشيوعي الاسرائيلي في الطيبة سنة 1949 وحتى يومنا هذا، وقد قام هذا الفرع بنضالات جبارة، حيث فرضوا على الطيبة حكاما عسكريين مثل فنطر وركلن وبلوم، وقام هذا الاخير باعمال ارهابية ونكّل بالمواطنين العرب.
ولقد نظم فرع الحزب مظاهرة جماهيرية جبارة شاركت فيها النساء والرجال من الطيبة، نزلت الى الشوارع متوجهة الى مقر الحاكم العسكري في الطيبة، وعندما وصلت المظاهرة الى هذا المكان تحدثت امرأة باللغة العبرية من الطيبة ضد هذا المأفون "بلوم" و"تحدث طيب الذكر" محمود جبارة الذي كان عضوا في لجنة الدفاع عن الارض والجماهير العربية التي كان الحزب قد جندها لهذه النضالات. وحدث في احد الايام ان امر بلوم العشرات من الشباب من سكان الطيبة للاصطفاف في ساحة مسجد الحارة التحتا، كما كنا نسميه اذ لم يكن ايامها اسماء للمساجد، ومر من هذا المكان الشاب مصطفى شريم عازم ابو رياض، وعلى ما يظهر ان الضابط قد استفز المذكور ابو رياض، فما كان منه الا ان هجم عليه والقاه ارضا، لقد تعرض هذا الشاب الشهم الى الاعتقال وارسل الى السجن.
واخيرا وليس آخرا نجحنا في طرد بلوم من الطيبة، وكتب الرفيق اميل حبيبي طيب الذكر حينها في جريدة "الاتحاد" الطيبة، الطيبة تتظاهر فتدب الرعب في صفوف الحكم العسكري، بهذا اريد ان اذكر بان الطيبة في يوم الارض المعهود في الـ 76 عندما علمت بمقتل ستة شهداء في مثلث يوم الارض عرابة البطوف – سخنين – دير حنا، ومنهم الشاب رأفت زهيري من الطيبة ابن مخيم طولكرم، انتفضت الطيبة التي كان الجيش الاسرائيلي يحيطها من اربع جهات قد فرضت منع التجول على السكان، ولكن الحزب نجح بدعوة الجماهير بمكبرات الصوت وخرجت الجماهير ملبية الطلب وملأت الحارات بالسكان، وشن الشبان والشابات، منهم شهيرة يوسف التي كانت تلاحق الجنود في موقع قريب من نادي الحزب ورأيتها تملأ وسطها بالحجارة وتصيح بهم، اذا كنتم رجالا تقدموا نحوي، وهم يتراجعون امام هذا الكفاح، وكان يساعدها لفيف من الشابات والشبان الذين يعدون لها الحجارة، وعندما سمعت الطيبة باستشهاد رأفت زهيري، قام شاب من منطقة الطيبة (حاج يحيى) باعتقال ثلاثة جنود جردوا من اسلحتهم وادخلوا في ديوان دار حاج يحيى ولم يتم تحريرهم الا عندما اعلن قائد القوات المطوقة لقرية الطيبة في حينه بالانسحاب مع جنوده وهذا ما كان.
بهذا اقول ان الجماهير العربية عليها ان تتعلم دروس شعبهم الماضية وتعتز بهذا الشباب الذي نزل الى الشوارع وقاتل واجبر افراد الشرطة والجيش على ترك الطيبة والرحيل عنها.

(الطيبة)

محمد ابو اصبع *
الخميس 22/3/2007


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع