المعركة وطنيّة عامّة وليست فرديّة شخصيّة
الخدمة المدنيّة غير مفيدة للمصلحجي!

كنت قد كتبت مقالا قبل سنتين أبيّن فيه أنّ الرفض المبدئي والوطني للخدمة المدنية هو الأساس، وذكرت في المقال أنه بات واضحًا لي من خلال المشاركة في العديد من اللقاءات حول "الخدمة المدنيّة"، أن ذِكْر الأسباب المبدئية والوطنية لرفض "الخدمة المدنيّة" غير كافٍ لإحراز نجاح شامل، وأنّ من الأهميّة بمكان التأكيد على أن "الخدمة المدنية" ليست مضرّة فقط بالمصلحة الوطنية وإنّما هي مضرّة بالمصلحة الفرديّة، وأنا لا أقصد هنا الضرر بالمصلحة الفردية كجزء من الضرر بالمصلحة العامّة، وإنّما اقصد الضرر بالمصلحة الفرديّة مباشرة علاوة على الضرر بالمصلحة الوطنيّة. وفي هذا المقال أعود الكرّة وأؤكّد على هذه الأبعاد معتمدًا بشكلٍ، يكاد يكون كليًا، على مقالي السابق.



إن الركائز الأساسيّة التي نعتمد عليها برفضنا فكرة "الخدمة المدنيّة" كاعتبار المساواة قيمة بحد ذاتها وحق غير مشروط، وتفوّق التوجّه العسكري في العقليّة الإسرائيليّة الأمر الذي يكرّس التمييز ودونيّة من يخدم في مجالات أخرى، والتفاف السلطة المتحدّي لقيادة الجماهير العربيّة الرافضة "للخدمة المدنية"، ورفضنا خدمة توجهات الدولة الاثنيّة بنيويًا والاسبارطية عسكريا والتاتشريّة اقتصاديًا، وكذلك رفْضنا كسر الحاجز النفسي والمطلوب بين الجماهير العربيّة ومؤسّسة ومفهوم "الأمن الإسرائيلي".. ورفضما تحميل الضحيّة وزر مسؤولية التمييز ضدّها.. وغيرها الكثير من الأسباب المهمّة، وهي الأساس، ولكنّها قد"لا تقنع" أفرادا يبحثون عن مصلحتهم الشخصيّة فقط.

أكتب هذا مع التأكيد للمرّة الألف أنّ المبادئ الوطنيّة هي الأساس، ولا بديل عنها، محاذرًا الوقوع، كما يفعل البعض، بتبرير عدم صحّة خدمة العرب الدروز بالسؤال الاستنكاري: "وشو بطلع الهن؟" وكأنّ هذا هو الأساس. ولذا فعلينا التأكيد في كل موقع على الأسباب المبدئية والوطنيّة لتثقيف الشباب على هذه المواقف.
ومع ذلك، وفي ظل التصريحات المتواترة حول حتميّة نجاح التوجّه الفردي واقتناص الأفراد، رأيت من الأهميّة بمكان معالجة هذه الخاصرة الضعيفة، ومخاطبة شريحة الشباب، والتأكيد على أنّ المخطّط مضرّ بمصلحتهم الشخصيّة المجرّدة، وذلك
للأسباب التالية:
أولا، الشباب اليهود لا ينخرطون في الجيش من أجل المصلحة الماليّة؛ فالكل يعلم أنّ من الأربح ماليًا أن يعمل الشاب في أي مكان آخر خارج الجيش، ويربح أكثر من الدفع الشهري الذي يحصل عليه إبان الخدمة الالزاميّة.
ثانيًا، إنّ من يخدم في الجيش لمدّة سنة فقط (فترة "الخدمة المدنيّة" المقترحة هي سنة فقط – بحسب توصيات عبري) لا يحصل على أي امتياز سوى "مساعدة" في "المشكنتا" بمبلغ لا يزيد بأي شكل من الأشكال عن 7500 شاقل، (فمثلا إذا تقدّم شاب أعزب ولديه ثلاثة إخوة لا يحصل على أكثر من زيادة 7,488 شاقل) (موقع وزارة الإسكان في الأنترنت www.moch.gov.il(. مع التأكيد أن هذا المبلغ ليس هبة وإنّما قرض يُرجع بأقساط شهريّة وبفائدة قدرها 4%. أي إذا كان المسوّغ مسألة امتياز مالي، فالأفضل للشاب أن يعمل شهرًا – شهريْن ويحصل على هذا المبلغ، بدلا من الخدمة لمدّة سنة كاملة.
ثالثًا، من المعروف أنّ الهبات الإضافيّة التي يحصل عليها المسرّح من الجيش هي منح تعليميّة، ولكن قراءة سريعة في الإصدارات السنويّة للمنح الجامعيّة، سرعان ما تخيب أمل من يرجو فائدة شخصيّة من "الخدمة المدنيّة" ففي "كرّاس المنح - سنة 2005 و2006 ) وهو الكرّاس الأشمل الذي يصدره "اتحاد الطلاب الجامعيين في إسرائيل" يظهر أن المنح المشروطة باداء خدمة ما، فتكون هذه الخدمة هي العسكريّة فقط دون سواها، والأنكى من ذلك أنّ بعض الشروط للحصول على هذه المنح تقتضي خدمة عسكريّة كاملة ومنتظمة، ومنحة أخرى مشروطة بإعاقة في الجيش، وأخرى بحسب أيّام الخدمة بالاحتياط، وأخرى لخريجي الوحدات القتاليّة فقط، وأخرى مشروطة بـ "شهادة مقاتل" من الجيش، وأخرى لجنود بدرجة ضابط؛ ويعجّ الكرّاس بالمنح المشروطة على أساس البلدان التي هاجر منها اليهود (كرّاس المنح، اتحاد الطلاب الجامعيّين في إسرائيل ص 7، 9، 20، 23، 29، 38(
رابعًا، في كثير من إعلانات العمل يظهر مَطْلب تأدية الخدمة العسكريّة كأحد شروط العمل، وبهذا فـ"الخدمة المدنيّة" لن تساعد الشاب العربي للأسباب التالية:
أ‌. الشرط هو الخدمة العسكريّة وليس المدنيّة.
ب‌. من المؤكّد (بحسب آلاف التجارب) أنّ هدف الاشتراط هو منع العرب كعرب من العمل، سواء خدموا أو لم يخدموا.
يظهر من الاستعراض السريع أعلاه أن المؤسّسة الحاكمة والمؤسّسات الخاصة وشبه الرسميّة تقدم الهبات لمن يخدم عسكريًا وليس مدنيًا أو قوميًا أو وطنيًا! وأنّ "الخدمة المدنيّة" لا "تملّي عين" تخضع لمفاهم العسكرة و"الأمن".
..
وهنا نعود، بالضرورة، إلى الموقف الأصيل والصحيح وهو أن المعركة وطنيّة عامّة وليست فرديّة شخصيّة وحسب، ولا يستطيع أي شخص أن يقول: "سلّمني واذبح أخوي" أو كسرحان العلي: "أنا يا ناس خلّوني بعيدًا عن حكايات الوطن"، فهذا لن يفيده، ومن يرجو خيرًا من هذه المؤسّسة بطرق غير النضال الوطني المثابر فهو كطالب الدبس من قفا النمس.
الأثنين 12/3/2007


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع