بالامس القريب جدا كانت الادارة الامريكية تصنّف كوريا الشمالية طرفا من اطراف محور الشر، لأنها لا تدور في فلك الامبريالية، ولأنها تستعمل حقها في التسلح بمختلف انواع الاسلحة، وبالرغم من كافة الضغوط والتحريض وحتى التهديد، الا ان بيونغ يانغ ظلت على موقفها بالرغم من فقرها الاقتصادي والكوارث الطبيعية التي تعرضت لها، لكن الولايات المتحدة عادت ووجدت نفسها في مسيرة مفاوضات معها لتجميد برنامجها النووي وبالمقابل تعطى ضمانات ومساعدات، قد يكون الاتفاق الذي ساهمت في الوصول اليه روسيا والصين، اتفاقا ذا فائدة متبادلة للطرفين، وفيه تنازل من الطرفين، من كوريا الشمالية ذات الامكانات المحدودة والفقيرة، ومن الولايات المتحدة العظمى في قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والعدوانية، وان تضع دولة مثل كوريا نفسها ناّ لامريكا دفاعا عن حقها وكرامتها ورفضها لكل اشكال الضغوط والتهديد امر فيه درس وعبرة، وحبذا لو يكون هذا رد كل دولة مهما كان حجمها ومهما كانت قدراتها.
كل انسان عاقل يرى في انحسار وعدم انتشار الاسلحة النووية امرا ايجابيا جدا ولكن ليس باعطاء الاوامر والتهديد والتخويف بل بالمفاوضات، هذا ما يجب ان يكون في المعادلة الايرانية، وهذا ما يجب ان ينسحب على دول اخرى مثل اسرائيل مع ان الاخيرة لا يجري عليها أي ضغط، بل تلاقي الدعم والتشجيع، وها هي بعثة اسرائيلية طويلة المكوث في امريكا من اجل بحث مختلف جوانب التحالف الاستراتيجي بين الدولتين، وتقديم مختلف انواع وكميات الاسلحة الامريكية لاسرائيل. ان المفاعلات النووية في كوريا ليست اخطر منها في اسرائيل بل بالعكس، ففي الشرق الاوسط الوضع اخطر وموقد الحرب اسرع الى الاشتعال بالذات بسبب سياسة اسرائيل العدوانية وبسبب الاحتلال المدعوم امريكيا، وكم هو صحيح ومنطقي ان تقرر القمة العربية مثلا وفي اواخر هذا الشهر ومن الرياض والسعودية بالذات، تبنّي مشروع شرق اوسط خال من اية اخطار واسلحة نووية حتى يطال الامر اسرائيل وايران، وتضغط هذه القمة من اجل تنفيذ هذا القرار فيما لو اتخذ وليس بالتهديد لايران من جانب واحد وبدعم اسرائيل من جانب آخر، وكم منطقي ان يتبنّى مجلس الامن هذا الموقف، والا فعلى هذا المجلس فرض عقوبات بعد استنفاد المفاوضات على الجهة التي ترفض، اقدّر ان ايران ستوافق وان اسرائيل سترفض، وان امريكا سترفض، بالرغم من ان دول الجامعة العربية اكثر واكبر واوسع من كوريا الشمالية.

("الإتحاد")