كلمة <<الاتحاد>>:
إفلاسٌ بعضلاتٍ مشدودة

لقد أبرز الهجوم الجوي الاسرائيلي المسلّح على موقع شمال العاصمة السورية دمشق، مدى الافلاس الذي وصلته حكومة اليمين الحاكم. فتحت التذرّع بـ "محاربة الارهاب" إياها و "الرد" على العملية البشعة في حيفا، وفقدان القدرة على العودة الى الاجتياحات المتنوعة التي ظلّت فاشلة رغم دمويتها وشراستها، طار صواب هذا الجهاز الاحتلالي ليطيّر معه الطائرات القتالية لتنفيذ عدوان جنوني عبر الحدود الشمالية.

ولا شك ان في الأمر أكثر من مفارقة. فالسلطات الاسرائيلية أرادت عملا عسكريًا عدوانيًا يكون بحجم "الرد الانتقامي المطلوب" على وضع أمني متردّ طالما خدعت جمهورها بامكان الخروج منه دون حل سياسي. وأمام استحالة هذا، كون سفك الدماء هو النتيجة المباشرة لاستمرار الاحتلال، وازاء حقيقة أنها غير قادرة على الوقوف أمام فعلة بحجم "التخلص" من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، فقد سارعت هذه السلطات الى محاولة تصدير أزمتها التي تتفاقم يوميًا.
هذا السلوك العسكري المهووس يُراد منه امتصاص النقمة والاحباط المتصاعدين جماهيريًا بسبب فشل هذه الحكومة في كافة مشاريعها، وفي مقدمتها المشروع المستحيل القائل بكسر هامة وقامة الشعب الفلسطيني. وهي كشفت بذلك مدى عجزها رغم استعراض عضلاتها، مما يثبت مجددًا ما نؤكده، اعتمادًا على قراءة الواقع والتاريخ، من أن القضية الفلسطينية ستظل لشدة ووضوح عدالتها تطيح بكل حكومة اسرائيلية تحاول التلاعب بها. فالشعب الفلسطيني المحاصر وقيادته الملاحقة أوصلا، بصمودهما، حكومة اليمين (برئاسة شارون بالذات) الى وضع لم يعد يمكنها فيه التلويح بشيء. ولا يزال في البال مسلسل الاجتياحات والتوغلات والاغتيالات. فأي مكسب سياسي حققت هذه الجرائم لاسرائيل؟!مع ذلك فلا يمكن التقليل من خطورة المرحلة الدقيقة الراهنة. فقد يقود الافلاس السياسي هذه الحكومة الى عمليات جنونية جديدة، كتلك التي رأيناها قرب دمشق. وبالطبع فالأمر مرتبط بوثوق بالأزمة الاقتصادية الخانقة، جراء الكلفة الباهظة لمحاولات تكريس الاحتلال والسياسة الاقتصادية اليمينية المنغلقة.

لقد أوصلت حكومة اليمين البلاد والشعبين الى حالة خطيرة محكومة بالاحباط. وهي تحاول في هذه المرحلة الخروج من أزمتها بشكل شديد الخطورة، يتمثل بالهرب الى الأمام عبر جر المنطقة الى أزمة اقليمية مسلّحة بهذه الحدّة أو تلك. وهي بهذا لا تقدّم جديدًا، فقد كان هذا ولا يزال هو نهج الأنظمة الفاشية التي تضحي بدماء مجتمعاتها للهرب من صنيع يديها البشع.

وامام هذا كله، فلا بد من تعميق الصمود الفلسطيني، الورقة الصعبة أمام سياسات التوسع والاملاء الاسرائيلية المغطاة أمريكيًا، وهو الأمر الذي يحتاج كفاحًا سياسيا مسؤولا يدفع الجمهور في اسرائيل للعودة الى الوقوف أمام الواقع بكل حذافيره: هناك شعب فلسطيني رازح تحت الاحتلال، وطالما لم يتحرر فلن يتحرر المجتمع الاسرائيلي من الوحل السياسي والأمني الذي يحاصره. وهذا منوط طبعًا بإسقاط هذه الحكومة بأسرع ما يُمكن.

(الاتحاد)
الاربعاء 8/ 10/ 2003


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع