التدريس والتسييس!

"لدى تدريس تاريخ دولة إسرائيل ينبغي البدء بالحقائق"! ـ هذا ما قالته وزيرة المعارف، البروفيسور يولي تمير، أمس، في معرض تسويغها التعليمات الجديدة التي أصدرتها بشأن ترسيم "الخط الأخضر" في جميع الخرائط التي تشملها كتب التدريس الرسمية في البلاد، هذه التعليمات التي أثارت زوبعة عاصفة من ردود الفعل الهستيرية بين أوساط المستوطنين وممثليهم، سواء على مستوى "القيادات الدينية" أو على مستوى الأحزاب اليمينية ومندوبيها في الكنيست.
نحن ندرك، بالطبع، أن "الخط الأخضر"، الذي هو نتاج عدوان الرابع من حزيران 1967، لا يشكل أول "الحقائق" المتصلة بـ "تدريس تاريخ دولة إسرائيل"، ولا آخرها. فتاريخ دولة إسرائيل، وبالتالي تدريسه، ينبغي أن يبدأ من "الحقائق" السابقة التي يعود سياقها إلى ما قبل حزيران 67 بعشرين عاما، وأكثر، ولا يتوقف حتى يومنا هذا.
ومع ذلك، ثمة في خطوة الوزيرة تمير الحالية هذه ما يستحق توجها إيجابيا في التعامل معها وتقييمها. ذلك، أساسا، لأن الخرائط (الجغرافية) إنما تعدّ برسم السياسة، تنطلق منها وتعبر عنها.
فمن المعروف أن إسرائيل الرسمية دأبت، طوال السنوات الماضية، على "تغييب" ما يسمى بـ "الخط الأخضر" يحركها في ذلك هدف سياسي مركزي يتمثل في تسهيل مهمة مصادرة أكثر ما أمكن من الأراضي الفلسطينية وضمها إليها، ومن ثم ضم "الكتل الاستيطانية" في إطار أية تسوية سياسية يتم التوصل إليها بشأن الحل الدائم مع الشعب الفلسطيني.
ومؤخرا، في أعقاب توجه من الصحافي عكيفا إلدار (من "هآرتس")، طلبت الوزيرة تمير من اللجان العلمية المهنية في وزارتها إجراء "فحص شامل" لكتب التدريس، فتبين منه أن الكتب التدريسية التي صدرت في السنوات الأخيرة في مواضيع الجغرافيا، ومعرفة البلاد والتاريخ وغيرها، "تعاني" ليس فقط من التغييب التام لـيس لـ "الخط الأخضر" فقط، وإنما من اعتبار قطاع غزة، ما بعد "الانفصال"، جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل، فضلا عن تغييب حتى مدن وبلدات عربية رئيسية في داخل إسرائيل، في مقدمتها مدينة الناصرة مثلا، وشطبها من الخرائط التدريسية! علما بأن هذه "النواقص" كانت قد أشارت إليها د. نوريت بيلدـ إلحنان، من كلية التربية في جامعة القدس، في نتائج البحث الذي أجرته قبل سنتين على ستة من الكتب التدريسية التي صدرت بعد "اتفاق أوسلو"!
ولم يكن مفاجئا صدور هذه الردود الهستيرية، استيطانيا ويمينيا، والتي بلغت حد "تذكير" الوزيرة تمير بـ "مصير شارون" الذي "مسّ بالاستيطان في يهودا والسامرة وغزة" ("ييشع") من جهة، ومسارعة كتلة "الليكود" البرلمانية إلى تقديم اقتراح بحجب الثقة عن الحكومة على خلفية تعليمات تمير الجديدة هذه، لأن الرسالة السياسية المنبعثة من هذه التعليمات تقول: "الخط الأخضر" هو حدود دولة إسرائيل، مما يشكل هزة لأوساط المستوطنين وأحزابهم اليمينية التي لا تزال تعيش أوهام "أرض إسرائيل الكاملة"!
وعلى هذا، لا يسعنا إلا تقدير خطوة الوزيرة تمير هذه والدعوة إلى دعمها، سوية مع مطالبتها بتصحيح "النواقص" بشأن المدن والبلدات العربية في داخل إسرائيل، وعلى الرغم من قصورها في ما ذكر أعلاه عن "حقائق" تاريخ دولة إسرائيل، قبل 1967 وبعدها حتى اليوم!

("الإتحاد")

الأربعاء 6/12/2006


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع