حول الطبقي والأممي في الانتخابات القادمة

(قراءة سريعة)

* أحيانا، قد يسمع للطبقية المشوهة رنين في خطاب عمير بيرتس في مركز حزب العمل، بعد فوزه برئاسته، وردت العبارتان التاليتان: " الصراع القومي اتى لكي يشل الصراع الاجتماعي"، و"وحدة اجتماعية تضم العرب، وسكان مدن التطوير، والقادمين الجدد". كلتا العبارتين لم تلدا من رحم الفكر السياسي الاجتماعي لحزب العمل، بل لا نبالغ اذا قلنا بأنهما النقيضتان لذاك الفكر ولممارسة ذاك الحزب ايضا.
 يعي عمير بيرتس بأن مناهضة النيوليبرالية تقتضي الاستعانة بالماركسية ولو بالحد الادنى. فالمناهضة لا تكون فاعلة دون ان تتفولذ كقوة سياسية، والقوة في الحالة الاسرائيلية تبنى من وحدة المتضررين من النيوليبرالية. ولكي تتم الوحدة فلا بد من قراءة مغايرة لماهية الصراع القومي، اي قراءته كأداة لشل الصراع الاجتماعي– بتعبير بيرتس.
 للحقيقة وللتاريخ  نقول بأن بيرتس هو اول زعيم لحزب صهيوني اساسي في البلاد ينطق بتلك العبارتين. ومع ذلك، وكعادة اقطاب حزب العمل، فهم يكررون المقولات ويشوهونها بما يخدم مآرب سياسية وطبقية محددة. وهكذا وبدلاً من ان تتموضع الرأسمالية الاسرائيلية- اضافة لرأسماليات اخرى- في خانة المستفيد من الصراع القومي، وجدنا وببهلوانية بيرتسية مميزة، ان تهمة الاستفادة تحط على ارض السياسيين الفاعلين في الوسط العربي اضافة لليبرمان. بداية نؤكد على خساسة المحاولة لزج الساسة الفاعلين في الوسط العربي في حظيرة ليبرمان، ومن ثم نقول بأن الطبقية التي تولي ظهرها لاعدائها الحقيقيين، لن تأتي بانتصارات، بل تودي بحياتها.
 لمزيد من العينية في علاقة الصراع القومي بالصراع الطبقي، نذكر بالمقولة الماركسية الشهيرة التالية، انهاء الصراع القومي يساهم في تأجيج الصراع الطبقي، لنقرأها ولنقرأها عكسياً بمعنى ان تأجيج الصراع الطبقي يساهم في انهاء الصراع القومي. فالصراع القومي اذ يوحد المجتمع الاسرائيلي حول دعاوى الامن ومصالح اسرائيل، فباليد الاخرى يجزئه، ضمن تلك الوحدة لا خروجا عنها، لقوى يمينية او سلامية او وسطية...الخ. واما الطبقية فهي تجزؤ ولا توحد، وكل وحدة قد تنشأ من البعد الطبقي، فلا بد لها ان تصطدم في الحالة الاسرائيلية مع الوحدة القومية. اي الوحدة التي يحتاجها الصراع القومي لكي يبقي على ذاته الصراعية.
 ان الرأسمالية التي تدفع باتجاه خصخصة المنشآت الاقتصادية، تقوم في المستوى السياسي بتأميم مصلحتها السياسية، كمصلحة عامة، او كمصلحة قومية مشتركة. وبالمقابل فالطبقية تفرز المصالح، وهكذا وبدلاً مما يسمى بمصلحة قومية مشتركة تنشأ مصلحتان، وبدلاً من سياسة واحدة تصاغ سياستان. والطبقية سياسيا لا تترسخ عند تحديد هوية المتضررين من الصراع القومي، بل تنشأ وعيا وبالتالي نضالاً فسياسة اخرى، عندما يتم بالمقابل حصر المستفيدين من ذاك الصراع.
 في هذه الانتخابات كما في سابقاتها فان للحزب الشيوعي تحديداً، وبالتالي الجبهة، دورًا متميزًا في المحاولة لاحداث فرز طبقي داخل المجتمع الاسرائيلي، وذلك عن طريق شد المطالب الاقتصادية الطبقية، بشكل ان تبرز عمق تناقضية لا وحدة المصالح بين طبقات المجتمع الاسرائيلي. ومن ثم عن طريق عزل اليمين السياسي ، بواسطة الكشف عن القوى المهيمنة في الرأسماليتين الاسرائيلية والامريكية المستفيدتين اقتصاديا من وجود الصراع القومي، او للدقة من عدم احلال السلام العادل، وبالتالي تأليب القوى المتضررة ضدهما. ومن ثم فعلى الاذن الاسرائيلية ان تألف ولو بالتكرار، المقولة التي ترى بالصراع القومي اداة لشل الصراع الطبقي. بدون شك فان هذه المقولة تحطم من هالة القدسية الاسرائيلية التي تحيط بالصراع القومي، لكونها تؤكد على وجود المستفيدين من الصراع القومي كاداة لاجهاض الصراع الطبقي.
نكتب هذه الامور دون ان ندعي، بأننا في هذه العجالة قد اوفينا مسألة الفرز الطبقي في اسرائيل حقها. ومن ثم نقول بأن المعركة على فرز المجتمع الاسرائيلي طبقيا لا تلغي من مركزية المعركة السياسية في احلال السلام العادل، بل بالعكس فهي تساهم في انجازه.

* في المميز لوحدة كل المتضررين الجبهوية


وحدة كل المتضررين نشأت تاريخيا رغما عن ارادة حزب العمل واقطابه، فالحزب الشيوعي حينما اقام الجبهة، جمع في برنامجها المساواة للجماهير العربية مع الغاء التمييز الطائفي، كوحدة المتضررين في مواجهة سياسة الاحتلال والاستيطان والاستقطاب الطبقي.  حيال هذه الحقيقة الساطعة والباهرة نسجل الملاحظات التالية:

* لم تعد مواقف الحزب والجبهة الخاصة بالسلام عرضة للنسخ او الاختلاس،     بل وايضا المواقف الطبقية ومنها شعار وحدة كل المتضررين. ان يد الحزب والجبهة التي صاغت برنامج كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووحدة كل المتضررين، هي وحدها الثابتة في هذه الانتخابات.
* في مسعاه لمناهضة انفلات الرأسمالية من كل عقال، يحاول عمير بيرتس ان يشرك الجماهير العربية كقوة نضالية سياسية، وذلك دون ان يقر بكامل استحقاقات هذه الشراكة مساواتيا. وبالمقابل تنتصب الوحدة النضالية بالصيغة الجبهوية، القائمة على اساس اجتثاث الاضطهاد القومي والغاء التمييز الطائفي. ان الشراكة النضالية لا تقوم الا على مبدأ احقاق الحقوق الكاملة لكل الاطراف.
* ترفض الرأسمالية ان تساوي بين ضحاياها تمييزيا او بالاضطهاد الطبقي، لكونها تخشى وحدتهم حيالها. ان سياسة التفرقة بين المتضررين، تهدف الى خلق ضرب من ضروب الطبقية الوهمية بينهم، والتي بالتالي تفرز تباينا لا وحدة في المواقف والمصالح لديهم.
* ان محدودية طبقية بيرتس وتشوهها تتجلى في كونها تسعى لاعادة اللحمة الطبقية للمتضررين من انفلات الرأسمالية، وذلك بدون ان تخوض معركة حقيقية ضد الوسائل السياسية لتمزيق المتضررين، ونعني بذلك الغبن السياسي، اي الاضطهاد القومي. لا يمكن لوحدة المتضررين وحقوقهم ان تتقدم في دروب الانجازات، بدون ان تسير على قدمين، مناهضة الغبن السياسي، وطرح المطالب الطبقية، وبهذه الرؤية لنضالية الشراكة تمتاز الجبهة، المدججة بحزب طبقي، بحجم الحزب الشيوعي.

* جبهة لعولمة حقوق العمال


حرية حركة العمل، مقولة اقتصادية ديماغوغية تهدف الى اخفاء الطابع الحقيقي لتلك الحرية، اي الحرية في استعباد قوة العمل.
ان الجماهير العاملة في اسرائيل اسوة بمثيلاتها في الدول الرأسمالية تعاني في ظل العولمة من انتشار ظاهرتين، الاولى استيراد قوى عاملة رخيصة، وتصدير خطوط انتاج لدول ذات قوى عاملة رخيصة. وتحت وطأة هاتين الظاهرتين تجري عملية سحق لحقوق العاملين في اسرائيل، واخماد كل مطلب لرفع الحد الادنى للاجور.
عند انفلات رأس المال في معركته "النبيلة" لتحصيل الربح والمزيد منه عن طريق فرض شروط مجحفة على قوة العمل، فان اكثر الفئات فقرا هي اكثرها تضررا. والحاصل ان كلتا الظاهرتين ساهمتا في اتساع البطالة لدى الجماهير العربية وتدهور وضعها، اسوة بالقوى العاملة الاسرائيلية.
في الملحق الاقتصادي لصحيفة هآرتس بتاريخ 9/12/05 يطرح بيرتس فكرة الدفاع عن الفروع الصناعية الاسرائيلية الضعيفة امام الاستيراد، كوسيلة لضمان اماكن عمل للعائلات الاسرائيلية. ان حصر مسألة الدفاع عن العمال في اسرائيل في هذا الاقتراح هو وليد محدودية وقومجية طبقية  بيرتس. ولعل اكثر الشعارات ملاءمة لعصر العولمة، ومقولة حرية العمل المغرضة، هو شعار " يا عمال العالم اتحدوا"، فالدفاع عن حقوق العمال في اسرائيل تمر بمعركة الدفاع عن حقوق العمال في العالم الثالث.
ان ما نخطه ماركسيا لم يعد بالضرورة هو الغريب في سياق النقاش الاقتصادي الدائر في اسرائيل وخارجها. ففي ملحق هآرتس الاقتصادي بتاريخ 13/12/05، يكتب المحرر موشيه شليف الامور التالية، الى جانب العولمة الاقتصادية مطلوب عولمة اجتماعية. فكما ان دول " التجارة الحرة" تحارب لاجل مساواة في شروط التجارة العالمية. فبالمقابل يجب ان تكون هناك مساواة في ظروف العمل. والمطلوب هو تشريع دولي اجتماعي لشروط دخول الشركات لمجموعة التجارة الحرة، والذي يشمل ساعات عمل محددة للعامل في الاسبوع، حظر تشغيل الاطفال... الخ من الحقوق العمالية. وفي النهاية يقترح الكاتب معاقبة الشركات التي تنتهك قواعد العولمة الاجتماعية –اي حقوق العمال- بعدم استيراد بضائعها.
 ولاجمال ما سبق، نضع الامرين التاليين:

* ان انفلات الرأسمالية من كل عقال، قد اوصلت الكثيرين من مواقع فكرية مختلفة، لفكرة ماركسية قديمة، ألا وهي ان المنتج لا يحمل في طياته قيمة استعمالية، ولا معايير تقنية، بل يتضمن قيمة طبقية، هي الاستغلال الطبقي.
وحيال عولمة الاستغلال الرأسمالي لقوة العمل، فانه لا بد من خوض معركة حقيقية لعولمة حقوق العمال، وذلك عن طريق تشريع وتطبيق قوانين عمل واحدة في اسرائيل على مواطنيها اسوة بغيرهم. ومن ثم تشريع القوانين التي تحظر استيراد البضائع من الشركات التي تنتهك حقوق العمال في العالم الثالث. بدون شك فان المعركة على هذه القضايا شاقة، وهي تذكرنا بمجمل مطالب الحزب والجبهة التي بدت في حينه صعبة المنال، ان لم تكن مستحيلة.
* حينما يجتمع الاضطهاد القومي في المستوى السياسي مع النيوليبرالية في المستوى الاقتصادي على ارض الجماهير العربية تكون النتائج وخيمة ان لم تكن كارثية. واذا كانت سياسة الاضطهاد القومي تؤدي واقعا لزج الجماهير العربية في هامش سياسي اقتصادي، فان النيوليبرالية تزيد من هامشية الهامش لتفسح المجال لدخول فئات اسرائيلية اخرى.
ان كل هزيمة طبقية، لا بد ان تؤدي الى مزيد من تعميق اللامساواة للجماهير العربية، فالهزائم الطبقية على شاكلتها تؤتي بالهزائم في المعركة على المساواة.
في ظل النيوليبرالية تحديدا لا حصرا، فان كافة القوى الفاعلة في الوسط العربي تظهر على ضحالتها، باستثناء الجبهة. فمقولة الدفاع عن الجماهير العربية ليست مقولة فوق الطبقية، كما يحلو للبعض التلميح ان لم يكن التنظير بذلك.
وخلاصة القول نقول، بانه وفي ظل عولمة انفلات الرأسمالية وجدنا انفسنا نعود سالمين غانمين للشعار المخطوط على صحيفة الحزب الشيوعي، صحيفة الجماهير العربية "الاتحاد". فهذا هو الرد، على ذاك الانفلات، وعلى بنيته ايضا.

(يتبع)

شادي عبده
السبت 7/1/2006


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع