"مشحّر يا جوز الثنتين"

بصراحة لم اتعرف على شخصه الكريم عندما شرّف بيتنا بطلعته البهية، تذكرته بعد ان طرح السلام، فهو يلثغ بحرف السين اذ يلفظها ثاء، فما ان قال "الثلامو عليكم" حتى احتضنته ولساني يردد "من زمان ومدة ما شفناك، مشحّر يا جوز الثنتين"! قال جاري "ابو صفوان"، وهو يخبرني بالطارئ من اخباره. و"مشحر يا جوز الثنتين" هو "حسين العلي" ابن حارتنا التي هجرها قبل ثلاتين سنة متوجها للسكن في المدينة. كان تاجر كرار في سوق الخميس في كفر ياسيف، وعلى ذمة اصحاب الذمم الواسعة ان التجار اليهود كانوا يشترون حميره وكراره لصناعة المرتديلا (النكنيك)، وراجت هذه الدعاية الى درجة انه من النادر ان تجد احدنا في بلدنا تقحم نفسه لشراء واكل المارتديلا. ومن تجارة الكرار ربح حسين العلي الاموال الطائلة، شافت نفسه وصار يتقمبر على زوجته المستورة، تزوج ثانية من صبية عانس طمعا بثروتها مع ان بيته يعج بجيش من البزر، اربعة صبيان وثلاث فتيات. اخذ يرتاد مقاهي الميسر (القمار) واصبح من المدمنين على لعب القمار، خلال فترة قصيرة خسر امواله واموال زوجته الثانية، اصبحت حالته المادية "انظف من قفا الخطيب" كما يقول المثل. وبدأ الزقار والنقار في بيته، كل ليلة عرس وزيطة وزنبليطة وصياح ودبات صوت في بيته، اقلقوا راحة الحارة. و"ام راجح" مختارة الحارة كانت دائما تندفع نيابة عن سكان الحي الى بيت حسين العلي  وتصيح "ملطم ومشحّر يا جوز الثنتين" ما تكفوا شركم عن الحارة اقلقتوا راحة الناس. وصار "مشحّر يا جوز الثنتين" دالة التعريف لكل من يسأل عن دار حسين العلي. وهربا من الفضيحة حمّل حسين العلي شراشه وعياله على سيارة تْرك وانتقل للسكن في المدينة. ومن يومها يقول ابو صفوان، انقطعت اخباره، لم يسأل عنا ولم نسأل عنه الى ان كانت المفاجأة بزيارته المفاجئة لبيتنا. حدثنا عن احواله، ففي المدينة ترك طريق الرذائل والقمار، يعمل حارسا ليليا في احدى الورش، ابنه علي اصبح موظفا كبيرا في الهستدروت وله مستقبل اذا نجح عمير بيرتس في الانتخابات للكنيست. وهنا، يقول ابو صفوان، بدأنا نكتشف سر الزيارة الميمونة للمشحّر يا جوز الثنتين، بقّ حسين العلي الحصوة، قال "عشمي كبير بجيراني، مش رايحين تفشلوني بخمسين صوت على الاقل لحزب العمل كرمال عيون ابني علي، قديش منجند اصوات اكثر بتكون وظيفة علي عند بيرتس اكبر، وحبّيت ازورك خيا ابو صفوان بالاول، كلمتك محترمة ومسموعة بين اهالي الحي"!! ابني محمود، قريد العش، ابن الصف الرابع كان يسترق السمع للحديث، وقف فجأة امامنا واخذ يردد: واو واو واوية   احنا اولاد الشيوعية
كأنك كفتِت سطل ماء مثلج على خلقة حسين العلي، قال بصوت من عمل عملة عاطلة، على السكيت "اخذت الجواب من ابنك"! قلت له: " ما كان اشرف لك يا جارنا لو ظليت تتاجر بالكرار؟ سلّم على علي وقل له عمك ابو صفوان يقول لك ضمائر الناس غالية جدا. انصحك يا جارنا ان توفر عليك الدوارة في الحي، ان علقت مع ام راجح ربنا ما بنجيك من زفة اخت شليّتة اطقع مليون مرة من ايام ما كانت تدشع على بيتكم وتصيح: "وبعدين معاك مشحّر وملطم يا جوز الثنتين"!
خرج مكسور الخاطر يودعه ابني محمود بسؤالي: كنّو ذنَب يابا؟

د. أحمد سعد
الثلاثاء 3/1/2006


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع