بين المرأة والنساء

يلقى في الفترة الأخيرة، موضوع  ترشيح المرأة في الكنيست وتمثيلها في قوائم الأحزاب في أماكن مضمونة، إهتماما بالغا في الجبهة بشكل عام وفي صفوف النساء بشكل خاص. هذا الإهتمام الذي يروق لي كنسوية، خاصةً أنني أُثابر وأعمل جاهدة على كل المستويات ليس فقط من أجل طرح الموضوع نظرياً، انما أيضا من أجل ضمان وصقل النظرية الى شيء من الحقيقة والتطبيق. 
ما تُظهره حالة الإهتمام هذه، إنما هو ضرورة وحاجة ماسّةً بل إنجازاً كبيراً لنا  كنساء لإصرارنا ومثابرتنا على طرح قضايانا يومياً وعلى مدار السنين في الهيئات والمؤسسات العليا للأحزاب بضرورة وجود النساء بشكل فعّال في مواقع إتخاذ القرارات المصيرية التي تخصّنا كأقلية قومية في هذه البلاد. ويبدو أن القضايا السياسية والوطنية والحالة الذكورية الأبوية التي نعيشها تدفع بالأحزاب كغيرها من الأطر والتنظيمات المجتمعية الى تهميش قضايا النساء ووضعها في آخر سلَم الأولويات، بإدعاء بأننا اليوم نعيش تهديداً كيانياً كمجموعة إتنيّة وقومية وعليه فان تحدّينا المركزي يجب أن ينصّب في القضايا الوطنية. الأمر الذي يفصل ويجزّئ نضالنا إلى نضال الوطن ونضال المرأة ويجزّئ إنتماءنا إلى إنتماء المجموعة العامّة والمجموعة الخاصّة،  حيث ترتبط بعض هذه التجزيئات أو لا ترتبط بموروث ثقافي وإتني. وهكذا تعيش النساء حالةً من التركيبات المختلفة والمتناقضة في آن واحد، فتشعر النساء الفعالات نسويا وسياسياً بأنهن لا تملكن الكثير من القواسم المشتركة مع مجموعات نسائية أخرى في الدولة في الوقت الذي تشعر فيه، أحياناً، مغتربات مع الرجال في الأحزاب. وبين هذا وذاك، لنا أن نتصور الطرق التي تُحاول بها النساء  دفع قضاياها والتداول بها بحيث لا تهمّش ولا تأتي على حساب قضايا أخرى.

وأنا إذ أستعرض هذه التركيبة لا أسعى اطلاقاً لإنكار الدور الطليعي والقيادي الذي تبوّأه الحزب الشيوعي ، كغيرها من القضايا، في دفع النساء إلى النشاطات السياسية وأخذ دورهن القيادي في العمل السياسي والجماهيري وتنظيم أنفسهن كمجموعة، فقد رأينا الدور القيادي الذي أخذته النساء في إطارحركة النساء الديمقراطيات وسمعنا النساء يتحدّثن من على المنصَات ويتواجدن في الشارع في  الأوقات السياسية الحرجة في الوقت الذي كان فيه المجتمع لا يعتبر خروج المرأة بالأمر المفروغ منه.
غير أنني أوّد أن أعود الى  فكرتي الأساسية ألا وهي قضية تمثيل  النساء في الكنيست، وأُشدّد وأؤكد على كلمة النساء، التي مفادها تمثيلاً حقيقيا لمصالح النساء السياسية والاجتماعية والتي، في الفترة الأخيرة، غالباً ما نوليها  الاهمية المطلوبة حتى باتت تنحصر في الإطار الشعاراتي  الخالي من أي مضمون. وما أنتقده هنا بشدّة هو المغالاة في إستعمال مصطلح المرأة، هذا المصطلح الذي أُعارضه من منطلق إيماني بخطاب ما بعد الحداثة في هذا السياق، والذي أستبدل من مرأة الى نساء. حيث تكمن هنا أهمية التعامل مع النساء كمجموعة جندرية لها احتياجاتها ولها حقوقها والأهم من ذلك لها الحق في أن يكون لها دوراً حقيقياً في صنع القرار السياسي وفي المشاركة السياسية، الإجتماعية والإقتصادية اليوميه التي ترتبط بمصير المجتمع أجمع رجالاً ونساء على حد سواء. معنى ذلك أن المطالبة الحقيقية لتمثيل النساء تكمن بهذه القناعه بقدرات المرأة للعمل جنباً إلى جنب مع الرجال وليس فقط في وقت الإنتخابات وليس فقط في القضايا النسائية. فأنا لا أعتقد بأن مسؤولية تمثيل حاجيات النساء تقع على مرأة واحدة، تماماً مثل أنها لا تقع على مسؤولية النساء وحدهن فهو أمر يجب أن يرى به الرجال في الأحزاب مسؤولية كاملة وتحديا وطنيا من الدرجة الاولى.

واسمحوا لي أن أشدّد هنا على هذه الفكرة فهي نقطة جوهرية،  حيث أرى من الضرورة توضيح بعض الأمور لتفادي الوقوع في سوء تفاهم  فقد ذكرت كل ما سبق للتشديد وللتحذير من مغبّة سوء "استعمال" المرأة لتصبح بذلك فكرة تنحصر في إطار المصالح الضيّقة التي لا تمّت لمصالح النساء بصلة.  فأنني أرفض رفضاً قاطعاً إستعمال "سلاح" المرأة والتداول به بهذه الصورة التي تظهر وكأنها فكرة مناصرة للمرأة، لكنها في الواقع تنسجم مع الفكر الشوفيني الذكوري الذي يُطلق العنان لنفسه بالوصاية على النساء كيف شاء ومتى شاء.

وهنا يُسأل السؤال هل ترشيح "مرأة" في الكنيست في مكان مضمون يضمن لنا تمثيلاً لقضايانا  وهل هذا هو المنفذ والتدّرج نحو نيل حقوقنا كنساء في المجتمع في جميع المجالات السياسية منها والإجتماعية؟. وأنا لا أسأل هذا السؤال هنا لإنتقاص أهمية تمثيل النساء في الكنيست، إنما لِمحاولة معرفة ما إذا كان هذا سقف تطلّعاتنا كنساء ؟ أنّ تدعيم مكانة النساء وتقويتها في المجتمع هو في العمل على دمجهن في الفروع والكوادر يوميا وعلى مدار السنة وأخذ دورهن في العمل السياسي والإجتماعي وفي مواقع إتّخاذ القرارات، لأن هذه  هي الطريقة  التي توصل الى مرحلة إنتخاب الهيئات وبالتالي توصل الى  المرشحة،  لتكن بذلك شريكة حقيقية في العمل وشريكة حقيقية في تقرير تمثيلها في الكنيست.
ولهذا السبب يبدو لي أن لا بد من مساءلة أنفسنا كحزب ورجال أولا وكنساء ثانياً من قضية تمثيل النساء، فالمسؤولية تقع علينا جميعا في إعطاء ليس فقط أجوبة تبسيطية إنما التزام بنوايا وسلوكيات  حقيقية تضمن إحترام المرأة  كإنسان وككيان.

الكاتبة هي عضو في سكرتارية الجبهة القطرية وناشطة نسوية.

منال شلبي *
الجمعة 16/12/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع