بناء على خطته "للحل الدائم":
هل أصبح عمير بيرتس من أنصار التسوية العادلة للقضية الفلسطينية؟!

طالعتنا وسائل الاعلام الاسرائيلية المختلفة أمس بخبر "مثير" مفاده ومدلوله ان لدى رئيس حزب العمل ومرشحه للمنافسة على رئاسة الحكومة، عمير بيرتس، خطة سياسية للتسوية مع الشعب العربي الفلسطيني وقضيته الوطنية تختلف عن برنامج شارون للتسوية السياسية! وان عمير بيرتس كشف عن خطته وبرنامجه السياسي، عن الخطوط الاساسية لهذا البرنامج، في لقاء له يوم الخميس الماضي 8/12/2005 مع سفراء الاتحاد الاوروبي الـ 25 المعتمدين في اسرائيل.
ففي حديثه مع السفراء الاوروبيين حول خطته للتسوية السياسية مع الفلسطينيين اكد عمير بيرتس انه في حالة كان النجاح حليفه في الانتخابات البرلمانية للكنيست القريبة والّف الحكومة فانه ينوي الدخول مباشرة في مفاوضات مباشرة مع القيادة الشرعية الفلسطينية حول الحل الدائم والتسوية الدائمة لانهاء الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، وانه يفضل التفاوض حول الحل الدائم على التفاوض وفق خارطة "خطة الطريق" التي ترعاها مجموعة الاربع (الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة) وتقود رسنها عمليا الولايات المتحدة الامريكية. ونحن بدورنا نرى ونؤكد بان التفاوض حول التسوية الدائمة والحل الدائم افضل بكثير من جرجرة التفاوض وفق خارطة الطريق التي كان لناعليها الكثير من التحفظات لما تتضمنه من تعقيدات وبنود تنذر بتفجير ودفن هذه الخطة.
فتوجهك يا عمير بيرتس نحو مفاوضات الحل الدائم صحيح. كما ان الانتقادات التي وجهتها الى خطة خارطة الطريق من حيث مخاطر مدلولاتها السياسية منطقية وصحيحة. فتقييمك امام  السفراء بان "خارطة الطريق عبارة عن اطار للجمود السياسي المطلق الذي قد يستمر عشرات السنين، وخسارة على وقتنا" صحيح جدا، وان "مشكلة خارطة الطريق انه يمكن تفسيرها بتفسيرات مختلفة وكثيرة حتى تصبح مقبولة على اليمين المتطرف وايضا على اليسار المتطرف، ففي هذه الخطة توجد امكانية لقيام دولة فلسطينية، ولكن توجد امكانية لجمود عميق"، وهذا صحيح ايضا، فمنذ الاتفاق الاسرائيلي – الفلسطيني تحت الغطاء الدولي على خارطة الطريق قبل  اكثر من سنتين يسيطر الجمود العميق على ساحة العملية التفاوضية السياسية الاسرائيلية – الفلسطينية بسبب عدم التزام حكومة الكوارث الشارونية – البيرسية بمستحقات هذه الاتفاقية وتنفيذ المطلوب منها، ولم تكتف حكومة الاحتلال الاسرائيلية باشتراط اربعة عشر بندا املائيا على خارطة الطريق وبشكل يفرغ هذه الاتفاقية من مضمونها، بل تمترست في "الخانة الامنية" تحت يافطة محاربة "الارهاب الفلسطيني" التضليلية لتبرير عدم الانتقال الى خانة المفاوضات السياسية مع السلطة الوطنية الفلسطينية ولمواصلة تجسيد برنامج شارون الكولونيالي في دفع عجلة توسيع وتعبئة الاستيطان الكولونيالي، خاصة في الضفة الغربية وفي القدس العربية المحتلة، عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، ومسابقة الزمن في بناء جدار الضم والعزل العنصري على اراضي الضفة الغربية المحتلة وذلك بهدف تمزيق اواصر التواصل الاقليمي بين المناطق الفلسطينية، وتحويل هذه المناطق الى "كانتونات" منفصلة عن بعضها البعض بحواجز مستوطنات وطرق التفافية تعرقل وتمنع قيام دولة فلسطينية سيادية ذات مقومات طبيعية قابلة للحياة، وتخلق ظروفا واوضاعا "موضوعية" مريحة لاسرائيل العدوان بضم اكثر من نصف مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل. والانكى من ذلك، ان حكومة الاحتلال والاستيطان والجرائم الشارونية – البيرسية اختزلت وبالتنسيق مع ادارة عولمة ارهاب الدولة المنظم الامريكية خارطة الطريق بخطة شارون باعادة الانتشار في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية الفلسطينية من طرف واحد، من الطرف الاسرائيلي واملائها على الفلسطينيين.
فالهدف الكارثي لهذه الخطة الشارونية هو مقايضة اعادة الانتشار في غزة بتعزيز وترسيخ اقدام الاستيطان الكولونيالي الاسرائيلي في الضفة الغربية. اتمام مشروع تهويد القدس العربية ومصادرة الحق  الفلسطيني، الوطني والشرعي، باقامة دولته المستقلة على كامل الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ السبعة والستين.
اننا نوافق عمير بيرتس الرأي الذي عبر عنه امام دبلوماسيي الاتحاد الاوروبي بانه في نهاية المطاف وفق خارطة الطريق، اذا ما نُفذت جميع بنودها، هو اقامة "دولة فلسطينية مؤقتة" منقوصة الحقوق، فلا حدود ثابتة ولا صلاحيات سيادية فلسطينية سياسية وامنية محددة، أي بقاء جروح الصراع مفتوحة وقد تنزف دماؤها في أي لحظة، بمعنى تأجيل التوصل الى الحل الدائم الذي ينصف الشعب العربي الفلسطيني بانجاز حقه الوطني بالتحرر والاستقلال الوطني، حقه في الدولة والقدس والعودة ويوفر لجميع بلدان وشعوب المنطقة، وللدولتين والشعبين في اسرائيل وفلسطين الامن والاستقرار ومد جسور التعاون والبناء والسلام العادل والثابت والشامل.
في لقائه مع دبلوماسيي الاتحاد الاوروبي يؤكد عمير بيرتس انه لا يقبل بالتوجه الذي يقول انه لا يوجد شريك فلسطيني للتفاوض معه، وهو يرد بهذا على موقف حكومة شارون – بيرس وتصريحات العديد من وزراء الليكود وغيرهم ايام خالد الذكر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وايام خلفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن). فعلى رأي عمير بيرتس "ان التوجه بعدم وجود شريك يخلّد الصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين"!!
حتى الآن كل شيء زين، وتوجد فوارق في التوجه المعلن، وفي الموقف من خارطة الطريق، بين رئيس حزب العمل عمير بيرتس وبين شارون الليكود – كاديما، ولكن يبقى السؤال الجوهري والاساسي، ماذا تتضمن اجندة عمير بيرتس السياسية وبرنامجه حول الحل الدائم؟ فبيرتس يصرح امام الدبلوماسيين الاوروبيين انه "سيعمل من اجل التوصل الى الحل الدائم بين اسرائيل والفلسطينيين بالسرعة الممكنة، ففي نهاية الدورة (المقصود السنوات الاربع من عمر الكنيست وفي حالة اصبح رئيسا للحكومة – أ.س) علينا ان نكون بعد الاتفاق الدائم مع الفلسطينيين"!!
عندما يسمع المرء تأكيدات عمير بيرتس يخال لاول وهلة انه يطرح برنامجا سياسيا للتسوية يختلف جذريا عن برنامج الكوارث الشارونية وعن برنامج حزب العمل الذي ينتقص من ثوابت الحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، يخال بأن عمير بيرتس يجنح لتبني التسوية العادلة، بعيدا عن السلام المنقوص الذي يملي حلا يصادر من خلاله ثوابت وطنية اساسية من الحقوق الشرعية الفلسطينية المسنودة بقرارات الشرعية الدولية!!
يؤكد عمير بيرتس امام الدبلوماسيين الاوروبيين "انه في اطار كل تسوية سياسية مع الفلسطينيين يصر ويتمترس في موقفه حول مبدأين اساسيين: لا لتقسيم القدس ولا لحق العودة"!! اي ان برنامح رئيس حزب "العمل" عمير بيرتس السياسي مبني على مصادرة اهم ثابتتين من ثوابت الحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية، مصادرة حق السيادة الاقليمية السياسية الفلسطينية على القدس الشرقية العربية عاصمة الدولة الفلسطينية، ومصادرة حق اللاجئين الفلسطينيين، حق اربعة ملايين الى خمسة ملايين لاجئ فلسطيني بالعودة، هذا الحق الذي اقرته الامم المتحدة بقرار (194).
انك برفع راية السلام المنقوص لا يختلف موقفك يا عمير بيرتس جوهريا من حيث مدلوله السياسي عن مواقف حكومة الليكود واليمين، عن موقف حزب العمل التقليدية بلاءاته المعهودة – لا للعودة الى حدود السبعة والستين، لا لتقسيم القدس ولا لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، هذه المواقف التي لم تؤد الا الى مواصلة نزيف الدم المتدفق من شرايين الصراع. ولن تجد يا عمير بيرتس أي فلسطيني، ان كان في السلطة الوطنية الفلسطينية او في منظمة التحرير الفلسطينية او في الشارع الجماهيري الفلسطيني يوافق، او حتى يتجرأ على الموافقة، على التوقيع على اتفاق لحل دائم ينتقص من الثوابت الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف يوافق على التفريط بالقدس العربية او بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
لم يتطرق عمير بيرتس في لقائه مع الدبلوماسيين الاوروبيين الى موقفه الذي صرح عنه سابقا فيما يتعلق بكتل الاستيطان وجدار الضم والفصل العنصري، فعمير بيرتس مع ضم كتل الاستيطان الى اسرائيل.
لقد صرح مقربون من عمير بيرتس، ومن داخل ديوانه حول برنامج بيرتس للتسوية بما يلي "لا يجري الحديث عن برنامج سياسي بل ايضاح فوارق بيننا وبين شارون"!! بمعنى كوسمتيكا، فوارق هامشية للاستهلاك الانتخابي ولتجنيد اصوات تقف على السياج مترددة، او من بين انصار ودعاة السلام. موقف يذكر بتصريحات عمير بيرتس "الجنرال الامني" بعد عملية نتانيا.
من يرد ان يكون بديلا لشارون كاديما يا عمير بيرتس عليه ان لا يطرح أنصاف الحلول للقضية المركزية المخضبة بدماء الصراع التي لا تقود ابدا الى الخروج من حمام الصراع الى شواطئ السلام العادل، بل يطرح موقفا جريئا يدفع من خلاله الثمن المطلوب لانجاز التسوية العادلة.

د. أحمد سعد *
الأثنين 12/12/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع