سيرك بالأبيض والأسود

رافقت احد الاصدقاء في الاسبوع الماضي الى مستشفى هداسا- عين كارم لإجراء بعض الفحوصات الطبية. ومن خلال انتظاري له في "صالون" الانتظار الرحب حيث الاخبار الطازجة تمطر علينا بجديد كل ثانية عبر شاشة التلفاز. كان وقع نبأ انتقال عضوة الكنيست داليا ايتسك واللحاق بصديقها الحميم حاييم رامون الى المعسكر الشاروني الجديد (كديما) له واقعة خاصة وبالذات عندما تلحق بنت الهوى  صرصورها المخضرم ...!! هذا النبأ استفز امرأة في الستين من عمرها تعمل سكرتيرة في القسم الذي كنا نقصده في المشفى حيث ردت على سؤالي البسيط عندما سألتها لماذا تبتسم بسخرية من سماع هذا الخبر؟! وكان جوابها اللاذع: "بأنها تستمتع جدا برؤية هذا السيرك"...
بقيت كلماتها ترن في اذني وتردد صداها في رأسي حتى كتابة هذه السطور. لان الموقف الذي نعيشه حاليا على الساحة السياسية "والذي اخجل احيانا من تسميته هكذا"، يذكرني باحداث تاريخية مرت قبل ثلاثة عشر عاما (1992) وقلبت الدنيا وقعدتها آنذاك في ايطاليا، حيث أدت هذه الثورة البيضاء الى حل وتشرذم الاحزاب السياسية التاريخية بعد ان صعقتها فضائح الفساد والرشى التي كانت قد عششت فيها وبالطبقة السياسية الحاكمة امثال: الحزب الدمقراطي المسيحي، الحزب الاشتراكي، الحزب الليبرالي، الحزب الجمهوري...
هذا الانقلاب ادى الى ولادة احزاب جديدة/ قديمة تتركب من شخصيات فاسدة ترعرعت في احضان الاحزاب المنحلة وقامت على اطلالها مع حتمية تأثرها بالمبادئ اليمينية الانتهازية، وقد كان اكبر هذه الاحزاب (فورسا ايطاليا) والذي يتزعمه الرأسمالي سيلفيو بيرلوسكوني حتى يومنا هذا.... هذا الواقع الغريب والعجيب كان قد انهى مرحلة سميت بالجمهورية الاولى وولادة مرحلة جديدة (الجمهورية الثانية)  حيث ان الحزب الوحيد الذي بقي ملتزما بمبادئه وراسخا هو الحزب الشيوعي الايطالي (حتى بعد تغيير اسمه)...
بهذا الواقع الجارف لمخلّفات الديماغوغية تعيد الكرة نفسها في المشهد السياسي الاسرائيلي الحالي، وان الاحزاب السياسية التاريخية الصهيونية قد اعلنت افلاسها بسبب واضح بسيط: ان "الساحة السياسية" وان وُجدت حقا، فانها تدار حسب برنامج من الاعلى وانها مسيّرة من الصهيونية العالمية، حيث تنعدم فيها المبادئ والتوجه السياسي الواضح، وتخدم فقط المصالح الاستعمارية البرجوازية، وقد كانت رؤيا الحزب الشيوعي والجبهة الوحيدة التي قادت المبادئ الشريفة والخط العقلاني لما فيه مصلحة الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي وشعوب المنطقة عامة. ومع مرور الزمن نتأكد اكثر بأن احزاب الشعارات، احزاب الشخصيات والاحزاب الغوغائية فانية لا محالة. اما حزبنا وجبهتنا بمبادئها النظيفة والصادقة تبقى لوحدها شامخة في ساحة المعارك التاريخية.

(الناصرة)

د. سليم عباس *
الأحد 11/12/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع