إحتضار الدمقراطية

* الأحزاب، التي يفترض أن تكون أساس أي نظام دمقراطي، تحوّلت إلى أداة سيطرة معادية *

في ظاهر الامر، المدافعون عن انفجار شارون محقون في زعمهم ان الانتخابات الان ستكون اكثر تمثيلا. فلكل ناخب حزب يفترض أن يلبي برنامجه الحزبي، مع فروق واضحة بين اليمين واليسار (ما عدا حزب شارون الجديد)؛ وها هي ذي الديمقراطية امامنا في أوجها. غير أن الحديث عن وهم.
الديمقراطية الاسرائيلية مبنية من أحزاب. الحزب هو لبنة بناء الديمقراطية، وتصرفه الصحيح هو شرط نجاحها. الحزب فقط يعرض نفسه، مع برنامجه الحزبي وقائمته، علي الناخب.
تركيب الاحزاب في الكنيست، وهو فقط، يعكس ارادة الشعب. غير أن ثقة البرنامج الحزبي وبنية الاحزاب موجودان اليوم في أزمة. مظاهر الفساد الديمقراطي داخل الاحزاب تنتشر وتتوسع، وهي الاخطر.
في الليكود، منذ سنين، تحاول جماعة خلاصية - وطنية باسم الزعامة اليهودية (برئاسة موشيه فيغلين) ان تزيد قوتها في مركز الحزب. وهي تفشل حاليا. بمساعدة الانتساب الجماعي لمن ليسوا من افراد الحزب الذين يؤمنون ببرنامجه الحزبي، نجح عمير بيرتس والهستدروت في السيطرة على حزب العمل.
التشابه كبير، لان مواقف بيرتس اكثر ملاءمة لياحد - ميرتس من حزب العمل. وعدا عن ذلك، فان نسبة المنتسبين المزيفين في الانتخابات التمهيدية الاخيرة في العمل، التي كشف النقاب عنها جزئيا، ولم يعتنَ بها قضائيا قط، ليست ملائمة في اي دمقراطية.
شارون ايضا انتخب في انتخابات تمهيدية في الليكود اعتمادا علي اصوات مسروقة، اعلن انتسابها باشراف عومري شارون وغادرت الحزب بعد ذلك. في الانتخابات التمهيدية الحالية تغيَّر دستور الليكود، ولم يكن في امكان المنتسبين الجدد التصويت. شم شارون الخسارة واعتزل، لكنه ترك من ورائه بيوضا توشك على الفقس. مئات من أنصاره من اعضاء مركز الليكود، الذين يتعهدون بالإضرار بالليكود من الداخل. وهكذا يلعب شارون على الحبلين، كما لو كان "فيغلينيّ" حقيقي.
الحديث هنا ليس عن مسألة تافهة. فلليكود والعمل نسبة مرتفعة من المنتسبين الكاذبين، ومركزاهما يعجان بالمصوتين من الاحزاب الاخرى وبمقاولي الاصوات؛ كديما، حزب شارون الجديد، هو حزب شخص واحد، يقترح بتراثه العنيف ان يجري علي اسرائيل نظام حكم رياسيا بلا زمام تحت رياسته. سائر الاحزاب غير ديمقراطية اصلا، او أنها صغيرة ونسبة الحسم المرتفعة تجعلها تتحد بغير برنامج حزبي مشترك جوهري.
وهكذا تتآكل مؤسسة الحزب علي نحو مقلق. من اللحظة التي يكاد ينعدم فيها في مؤسسات الاحزاب من يشغِله البرنامج الحزبي، بل القوة والمكانة فقط، يصبح البرنامج الحزبي غير ذي صلة. تتغلغل الظاهرة صعدا، واعضاء الكنيست والوزراء أيضا لا يرون أنفسهم كمفوضي الجمهور والبرنامج الحزبي. عندما يصبح الحزب، وهو أداة التأليف الوحيدة لارادة الشعب، اداة بلا هيكل انساني عقائدي، فلن يجدي الديمقراطية المحتضرة نفعا أي وهم حول "البديل الحقيقي".

ران بيرتس
الجمعة 2/12/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع