أنظروا من الذي يتحدث عن الرأفة

* موفاز الشخص الأكثر غلظة وقسوة تجاه الضعفاء، يتلفع الآن برداء الرأفة في موسم الانتخابات*

حتي عندما بدا أن كل الأرقام القياسية للسخافة والوقاحة قد تحطمت، خرج علينا سياسي آخر وحقق رقما قياسيا جديدا خاصا به: وزير الأمن شاؤول موفاز يتحدث عن الشفقة والرأفة. من الصعب تصديق ذلك بعض الشيء، ولكن ما أن ارتدى وزير الأمن هذا رداء "الوزير الاجتماعي" الجديد، حتى قام بمهاجمة بنيامين نتنياهو علي الفور واتهمه بأن قضية الرأفة بعيدة عن قلبه.
موفاز قريب من الشفقة؟ ليست لديه خصلة مفتقدة أكثر من هذه الصفة، سواء كرئيس لهيئة الاركان أو كوزير للأمن، حيث أن ذرة من ذراتها لم تلتصق به أبدا. ولو كانت لديه بعض الشفقة فقط لبدت منظومة العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية بصورة اخرى. ولكن المسألة لا تتعلق فقط في علاقتنا بالفلسطينيين، وانما ايضا بموقفه من ضحايا ميزانيات الأمن والمستوطنات غير المباشرين في الوقت الذي كان من الممكن فيه أن تتدفق بعض هذه الميزانيات لأهداف وغايات أكثر إثارة للشفقة من انتاج دبابة اخرى أو شق شارع ابرتهايد جديد في الضفة.
موفاز اكتسب لنفسه في المناطق المحتلة سمعة الوزير القاسي وغليظ القلب بصورة استثنائية. الفلسطينيون لم يتدللوا أبدا من قبل اسرائيل، ولكن أي وزير أمن قبله لم يجتذب إليه مثل هذه الكمية من الكراهية والغضب. ربما يعتقد بينه وبين نفسه أن هذا انجاز يتوجب أن يتفاخر به، وربما يعتبر ذلك نجاحا بالنسبة لمركز الليكود، إلا أن موفاز كان رمزا للاسرائيلي غير الانساني في نظر الفلسطينيين.
وبالفعل اذا تمعنا في تصريحاته، يتبين لنا انها خالية من المواقف الانسانية تجاه الفلسطينيين ومعاناتهم. هو عارض دائما تقريبا تقديم اقتراحات تسهيلات لظروف حياتهم، ولم يكن مصير الناس الرازحين تحت الاحتلال معيارا مهما بالنسبة له. اذا كان من سبقوه في المنصب قد حرصوا علي دفع ضريبة كلامية عن العقاب الجماعي والمس بالأبرياء، فقد وفر موفاز عن نفسه هذا النزر اليسير من التصنع.
1,705 فلسطينيين قُتلوا خلال السنوات الثلاث التي كان فيها وزيرا للأمن، وهو يشكل ستة أضعاف عدد الاسرائيليين الذين قُتلوا في نفس الفترة. 372 من القتلى الفلسطينيين في فترته كانوا من الأطفال والفتية. موفاز لم يعبر عن الأسف لموتهم، وجعل الجيش يفهم أن القتل ليس مسألة مُحرّمة ومرفوضة، بما في ذلك قتل الاطفال. هو ايضا من الآباء الذين أطلقوا اسلوب الاغتيالات؛ إسرائيل قامت باغتيال 191 فلسطينيا في فترته حيث كان 117 منهم أهدافا، أما الباقون فقد كانوا من السابلة وعابري الطريق. هذه الأرقام المثيرة للفزع التي ذكرناها لم تُسجل أبدا تحت اسم موفاز، فعندنا لا يقومون بإحصاء عدد القتلي الفلسطينيين، ولكن ليس من الممكن تجاهلها عندما يسعي الشخص للوصول الي رئاسة الحكومة. موفاز اعتاد ترديد شعارات فارغة: "سنضربهم و سنحطم الارهاب". من الصعب ايجاد ذرة من التجديد في تصريحاته. وما حدث هو أنه انجر وراء شارون في فك الارتباط بسبب اعتماده عليه، وكانت إحدى الأفكار الأصيلة التي اقترحها ذات يوم إبقاء الجيش في غزة بعد فك الارتباط ايضا. موفاز أراد أن تكون غزة ورقة مساومة، وهي فكرة تبدو سخيفة جدا الآن. ولو أصغوا اليه في حينه لبقي الجنود الاسرائيليون مُعرضين للقتل العدمي في كل يوم.
موفاز بقي وفياً لموقفه القائل أن لا فرصة للتوصل الي تسوية في الجيل الحالي، ولذلك زهد من الالتقاء بالفلسطينيين. كما أنه لم يوضح ما الذي سيتغير في الجيل القادم الذي سيتيح التوصل الى التسوية. موفاز أراد تصفية عرفات أو إبعاده اذا لم ينجح ذلك، إلا أنه لم يكافح من اجل موقفه هذا لحسن الحظ كما حدث مع أي موقف آخر له.
حتي الانسحاب أحادي الجانب من لبنان بدا في نظره، كرئيس لهيئة الاركان، كارثة محققة. هنا ايضا كان عشرات الجنود سيُقتلون حتي الآن لو أنهم أصغوا اليه. علي أحد ما أن يتذكر له ذلك. أحد رؤساء هيئة الاركان الأكثر سياسية الذين شهدناهم تعرض للتوبيخ من قبل وزير الأمن، بنيامين بن اليعازر، غير المعتدل سياسيا أو المتحضر بصورة استثنائية هو الآخر. ولكن رؤيته السياسية قصيرة النظر التي اشتقها من تجربته كضابط لا تُقارن بالمرة بالخطوات القاسية التي أقدم عليها.
كل الوسائل مباحة في الصراع مع الفلسطينيين في نظر أشخاص مثل موفاز. الأخلاق هي مسألة غريبة عن رؤيته للأمور. تحت قيادته تخلص الجيش من بقايا اخلاقياته التي تمسك بها من قبل. الجدار الفاصل ايضا شُيد في فترته مع تجاهل صارخ للناس الذين يعيشون من حوله وكأنهم هواء غير مرئي. محاولته الظهور الآن بمظهر المدافع عن الفقراء لا تقل عن ذلك إثارة للغضب. موفاز أيد كل القرارات الاقتصادية لتقليصه وكافح من اجل الميزانيات الضخمة المحولة للجيش والمستوطنات علي حساب سلة الدواء والمخصصات. ليس هناك وزير أمن أكثر إيذاءً للطبقات الضعيفة من الوزير الذي لا يقبل تقليصات واسعة في ميزانية وزارته. يبدو أنه لم يكن هناك وزير مناهض للرؤية الاجتماعية أكثر من موفاز.
من الصعب معرفة كيفية تأثير هذا الرصيد علي مركز الليكود، ولكن هناك ايضا سيسألون: موفاز والرأفة؟ هل توجد عبارة ثنائية أكثر من هذه الجملة سخافة وإثارة للسخرية؟.

("هآرتس"، 27/11/2005)

غدعون ليفي
الجمعة 2/12/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع