لا يبدو أن حزب "العمل" قد استوعب الدرس كاملا
تآكل اليمين وازدحام المركز!

إن أبرز ما يجدر التنويه إليه وتأكيده في سياق الدلالات السياسية التي تنطوي عليها الخطوة التي أقدم عليها رئيس الحكومة وزعيم الليكود، أريئيل شارون، هي الحقيقة الأساسية التالية: انسحاب رئيس الحزب اليميني الأكبر في إسرائيل وعدد من قادته الأبرز، وبالتالي انقسام هذا الحزب، يمثل انهيار أيديولوجية اليمين الإسرائيلي عامة، وإشهار الإفلاس التام والنهائي لتطبيقات هذه الأيديولوجية على مستويات الحياة كافة. هذه التطبيقات التي أنزلت بدولة إسرائيل ومواطنيها، وبالدول المجاورة وشعوبها، مآس وكوارث لن يكون من السهل محو آثارها وإصلاح ما أوقعته من دمار. هذه هي الدلالة السياسية الأساسية، التي لا يدحضها تمسك شارون و"مسؤوليته القومية" (الاسم الذي أطلقه على حزبه الجديد) بشعارات لا تبتعد عن مضامين السياسة الليكودية، واليمينية عامة.
فالحديث هنا لا يقتصر، ولا يجوز أن يقتصر، على شكليات الحراك الذي تشهده الخارطة الحزبية في البلاد، من حيث هي "إعادة اصطفاف شخصي"، بل من الضروري إمعان النظر في ما يختفي بين ثنايا هذا الحراك وتحت سطحه. وفي النظر إلى هذا، تنبغي الإشارة إلى أن شارون ومن انضم/ سينضم إليه في هذه الخطوة إنما يسعون إلى شد اليمين الإسرائيلي خطوة، أو أكثر، نحو ما يسمى "المركز" ليكون بالتالي يمينا أكثر براغماتية وتأقلما مع التطورات، المنطقية والدولية.
وفي توليفة كهذه، لا يبقى أي مجال للدهشة والاستغراب إزاء التحاق شمعون بيرس وحاييم رامون، وربما آخرين من حزب "العمل" أيضا، بهذه العربة! وهو ما يدل، من جهة أخرى، على عمق الأزمة التي انحدر إليها هذا الحزب فوجد "ضالته" في الخطاب الاجتماعي الذي جاء به عمير بيرتس فنصبه رئيسا له، وليضعه أمام التحدي الحقيقي في مواجهة التغيرات الحاصلة في الخارطة السياسية ـ الحزبية: التحدي بأن يتبنى، قولا وعملا، نهجا يبعده عن "المركز" السياسي الذي تموقع فيه خلال عقود، والذي سيصبح الآن شديد الاكتظاظ!
لكن لا يبدو أن حزب "العمل"، ولا حتى بقيادته الجديدة، قد استوعب الدرس كاملا. ذلك أن النهج الذي نقصده لا ينبغي ولا يكفي أن يقتصر فقط على المواضيع الاقتصادية ـ الاجتماعية، على أهميته وحيويته الملحتين، بل ينبغي أن يكون مرهونا ومرتبطا، ارتباطا وثيقا، بالموضوع السياسي العام في كل ما يتصل بمستقبل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والحقوق القومية الثابتة للشعب الفلسطيني. وهذا بالذات ما لم يرق إليه رئيس "العمل" الجديد، عمير بيرتس،  في خطابه أمام مركز الحزب أمس الأول، مما يثبت أن الطريق لا تزال طويلة أمام هذا الحزب لكي يشكل بديلا شاملا، حقيقيا وجديا، لليمين المتآكل من جهة وللمركز المتزاحم من جهة أخرى.

("الإتحاد")

الثلاثاء 22/11/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع