لكسر رهان الاحتلال!

في ساعة متأخرة من مساء أمس الأول خرجت قيادة "حماس" باعلان سريع مفاده وقف اطلاق صواريخها من غزة. وقد نقلت الحركة ذلك عبر مؤتمر صحفي نظـّمته على عجل وسط تصاعد الاعتداءات الدموية الاسرائيلية، والتي تتذرع سلطات احتلالها بتلك الصواريخ بل وتضخم من مفعولها، كي تصعّد اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني برمـّته.
لقد استهجن كثيرون هذا التقلـّب في موقف "حماس" التي جاء اعلانها مرة أخرى بشكل غير متناسق مع لهجة التهديد والوعيد الأوتوماتيكية التي غالبا ما يسوّقها مسؤولوها. ولكن تفسير الحركة لموقفها الجديد يكشف وضعها.. فعلى حد قول مسؤول فيها (محمود الزهار) ان "قرار انهاء الهجمات من غزة يرجع الى حرص حماس على حماية الشعب الفلسطيني من قمع العدو والحفاظ على اجواء الاحتفال بهزيمة الاحتلال".والسؤال: ما الذي حققه اذن تجديد اطلاق تلك الصواريخ التي تطلق فجأة وتخبو فجأة (وكل هذا وسط حديث "حماس" عن تمسكها بالتهدئة)؟
عدد من المراقبين يشير الى ان الشارع الفلسطيني سئم ذلك النوع من العمليات الاستعراضية المسلحة غير المحكومة بهدف سياسي عام واضح، بل بحاجات التحشيد الفئوية الداخلية. وهذا الموقف الشعبي يلتقي بل يحتضن المواقف المتعددة الداعية الى وقف كافة اشكال الاستعراضات المسلحة والتي طالما ادت الى عواقب مأساوية، آخرها في مخيم جباليا.
ومع تصاعد الجدل الذي يؤكد قاسمه الوطني المشترك لدى الغالبية الساحقة من القوى الفلسطينية، موقف "الخط الأحمر" أمام اشتعال الصدام الداخلي - من المهم اعادة التأكيد على ضرورة ترشيد فعل المقاومة.
فالمقاومة لا يمكن أن تكون فعلا يتيما. هي فعل سياسي بالدرجة الأولى. فصاروخ القسام سيصبح مضرا إذا اقتصر هدفه على الاثبات بأن مطلقيه يستطيعون إطلاقه واذا ارادوا استثماره في غير سياقه. لأن السؤال في حالة الصاروخ والرصاصة اذا كان الهدف منهما تعزيز الأدوات لتحقيق الهدف السياسي الوطني الذي يجري النضال لأجله، هو السؤال لماذا وأين ومتى يـُستخدم؟ وهل يخدم استخدامه الهدف الذي أقرته القيادة التي تحظى بدعم الشعب؟
وفي الظرف المعقـّد الحالي بات من الضروري التعاطي مع هذه الأسئلة بكثير من الحساسية والحذر. وإلا فإن الكمائن التي ينصبها اريئيل شارون "لإبقاء العملية السياسية في الفورمالين" ستخرج الى حيّز التنفيذ بكل مخاطرها!
وعليه، فلا بد من التأكيد مجددا أن من شأن تنظيم فوضى السلاح وكبح الفلتان الأمني، أن يكسر تكتيك الاحتلال الذي يقوم علي إنتاج معادلة الإرهاب والزعم بمحاربته لتحقيق مآربه.
وبعيدا عن المهاترات، يجب القول إن الفلسطيني لا يلعب في ساحة خالية، ولذلك فإن قرار قيادته تنظيم السلاح يقوم على حكمة تحديد المعطيات الدولية واعتماد الحذر من أن تحولها ماكينة الدعاية الاسرائيلية إلى فخ يقع الفلسطيني فيه. ويكفي قراءة شتى المواقف الفلسطينية التي تحذّر مما تخفيه اسرائيل خلف تصعيدها الأخير، حتى نكرر الموقف: الحذر الحذر من الوقوع في شرك الشعارات والاستعراضات!

(الاتحاد)

الثلاثاء 27/9/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع