"ديمقراطية" بمعايير أمريكية!

من المفترض أن تجري اليوم الانتخابات الرئاسية في جمهورية مصر العربية. دولة الشعب المصري الشقيق والعريق. وهي ستكون، من حيث تعريفها المـُعلن، اول انتخابات تعددية، يشارك فيها الى جانب الرئيس المصري، تسعة مرشحين آخرين.
التقديرات لا تشير الى ان انقلابًا ديمقراطيا عميقًا سيحدث. فالاحتمالات تشير مسبقًا الى تقدّم الرئيس على منافسيه، وهو ما يلقى تعزيزا له من خلال سيطرة الحزب الحاكم على غالبية الدوائر والأجهزة.
وقد دار جدل في الايام الأخيرة بشأن الرقابة الداخلية، من قبل قضاة مصريين ومؤسسات مصرية مستقلة، على عملية الاقتراع. فلجنة الانتخابات الرئاسية رفضت بدعوى عدم لزوم ذلك، وقد لاقت تأييدا من رئيس بعثة أمريكية وهو عضو كونغرس من حزب بوش الجمهوري! وقال ذلك المسؤول ان عدم وجود رقابة مدنية (أي من الشعب المصري) على الانتخابات، "لن يقوّضها"..
لكن بالمقابل، تكشف امس ما حاولت السلطات اخفاءه، حسب مصادر اعلامية، وهو وجود اربع مؤسسات امريكية تراقب الانتخابات..
في نهاية المطاف قررت المحكمة الدستورية المصرية وضع رقابة من قبل عدد من القضاة على الانتخابات، ورفـْض استبعاد أي منهم –كما ارادت لجنة الانتخابات.
واذا كانت هذه الخطوة ايجابية بحجمها، فإن الانتقادات من قبل المعارضة والمستقلين لم تتراجع، وسط تذمرهم من سيطرة الحزب الحاكم على أجهزة الدولة، بل ووجود شكوك باستعمالها لزيادة احتمالات مرشح الحزب الحاكم.
في أحد بيانات حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي المصري، عبـّر عن معارضته لإعادة ترشيح الرئيس الحالي حسني مبارك. وقد سوّغ موقفه المعارض بالقول انه في سنوات الرئيس في مجملها "لم تشهد (مصر) غير المزيد من الإفقار المتزايد للطبقات الشعبية، ولم تشهد غير ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض مستوى المعيشة للأفراد، كذلك ازدياد أعداد المعتقلين السياسيين وانتهاك حقوق الإنسان داخل أماكن الحجز والتحقيق، والتضييق على الحريات العامة وحركة الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وفي مجال السياسة الخارجية تضاءل الدور المصري وأصبح مجرد ورقة في يد صانع الألعاب الأمريكي وأداة لينة لتمرير الرغبات الصهيونية وتسوية أوضاع المنطقة وفق الإرادة الأمريكية الصهيونية".
برأينا، ان هذه القضايا التي يطرحها هذا الحزب الوطني التقدمي تؤشر على وجهة الموقف المطلوب، والتقييم الصحيح لهذه الانتخابات التي يتوقع المحللون انها محسومة لصالح الرئيس الحالي. وأيضًا، فحسب العديد من القراءات النقدية المعارضة فإن هذه الانتخابات جاءت شكليًا بصفة "تعددية" إرضاءً لضغوط خارجية، أمريكية بالأساس، في وقت لا تريد فيه واشنطن ديمقراطية حقيقية للشعب المصري، من حيث سيادته على ثرواته ومقدراته وقراراته الوطنية، وهو ما قد يجعل هذه الانتخابات، وإن سمّيت تعددية، لا تختلف عن "المطلوب أمريكيًا"!
فالديمقراطية التي لا تأتي بقناعة وإيمان بمصالح الشعب، بل إرضاء لضغوط قوى أجنبية هي في حكم العدو لمصالح ذلك الشعب، لن تظل منقوصة فحسب، بل انه من الصعب أن تقبل التعريف الديمقراطي نفسه.

"الاتحاد"

الأربعاء 7/9/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع