رسالة بوش، ورسالتنا!

لا ندري منذ متى بدأ جورج دبليو بوش يظنّ نفسه مرجعية أخلاقية في عالم السياسة. على كل حال، لو استحوذ عليه هذا الاعتقاد الكاذب مرة، فعليه ان ينظر للعلامة التي أعطته اياها شعوب العالم حين دفع بجيش بلاده لتدمير واحتلال العراق، أو للعلامة التي يمنحه اياها مواطنوه الأمريكان الآن، ازاء اهمال رئاسته القاتل لفقراء نيواورلينز المنكوبين بالإعصار، وبأمثاله.
مع ذلك، ورغم علامة الفشل الذريع الذي تخصّه بها شعوب العالم أجمع، فإنه (وبحـُكم شهرته بالذكاء) يصرّ على أنه يملك "رسالة" لشرقنا الأوسط! نعم "رسالة رئاسية" مفادها: لا تضغطوا على اريئيل شارون وحكومته الآن، بل رحـّبوا به!
فقد ذكرت وسائل اعلام امريكية مطـّلعة أمس أن الادارة الحاكمة في واشنطن ستطالب زعماء العالم خلال الاجتماع العام للجمعية العامة للامم المتحدة، بالامتناع عن الضغط على شارون. والتبرير هو أن ادارة بوش "ترى انه ليس هناك ما يدعو الى الضغط على اسرائيل"! بينما ترى في نفس الوقت أنه يتوجـّب على الفلسطينيين "اثبات سيطرتهم الامنية في قطاع غزة".
هكذا..
والحقيقة أنه سيكون من غير المقنع القول ان هذه الرؤية الأمريكية الرسمية تفاجئ أحدًا. فهي تجسّد الاستمرار المباشر لمواقف هذه الادارة، أصولية العقلية وعنيفة الممارسة. بل إنها تعكس "تطابق وجهات النظر" بين مؤسستين سياسيتين تقومان على سياسة الاحتلال وفرض "التسويات" بقوة السلاح.
ربما يعتقد بوش أنه "لا يوجد داعٍ" للضغط على شارون وحكومته، لكن لشعوب هذه المنطقة رأيًا آخر، وهو يفوق رأي ورؤية بوش، في قيمته الأخلاقية وفي مضمونه العقلاني.
قد تظن ادارة الحرب في واشنطن أن شارون "كان كريمًا" في اخلائه اراضي قطاع غزة. وان هذا يمنحه الشرعية لتقوية مخطط النهب في الضفة الغربية عبر الاستيطان أو جدار الضمّ. لكن هذه المعادلة كانت ولا تزال وستبقى ساقطة سياسيًا وأخلاقيًا بنظر أصحاب الشأن: الشعب الفلسطيني وأنصار قضيته العادلة في العالم، وفي اسرائيل نفسها.
فالانسحاب من غزة ليس "مكرمة رئاسية" تستدعي فرش البساط الأحمر لشارون في المحافل الدولية، بل تستدعي القيام بمساعدته فعلا.. وذلك عبر دلـّه على الطريق و"خارطة الطريق" للانسحاب من كل الأراضي الفلسطينية، والعربية، المحتلة عام 1967.
أما إذا امتنع بوش (كالمتوقع) عن القيام بدور المرشد لحليفه الاستراتيجي الاسرائيلي، فيجب أن يعلم أن هناك الكثيرين من المصرّين على القيام بهذا الدور.. وهؤلاء، أي أنصار السلام العادل المتكافئ القائم على حقوق الشعوب (وهي مفاهيم لا يفقه بها جورج دبليو بالطبع)، لم يولدوا في الأمس ولن يغيبوا غدًا. بل انهم ماضون حتى النهاية، كي يغيب ظلام الاحتلال، وتشرق شمس تحرر الشعب الفلسطيني.
ففي النهاية لا تزال مزبلة التاريخ تتسع للكثير، بما في ذلك هذه "الرؤية الأمريكية" التي تواصل منح العطايا لمقترفي جريمة الاحتلال.

"الاتحاد"

الثلاثاء 6/9/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع