لم الشمل و "بغل الأمن"!

شهدت لجنة الداخلية البرلمانية، امس، نقاشًا كاشفًا (من جديد) لعقلية بعض المؤسسات في السلطة الحاكمة، وبعض التناغمات المقلقة بينها. وهكذا تسنى لنا رؤية رئيس الشاباك يطبـّل بينما المستشار القضائي يزمـّر له، وكلاهما نشاز!
 فقد حضر الجلسة رئيس جهاز "الشاباك" يوفال ديسكين وراح يدافع عما يسمى "قانون المواطنة" الذي يمنع لم الشمل للعائلات الفلسطينية المؤلفة من زوجين من طرفي حدود 1967. وجاء تبريره لهذا القانون العنصري - المعادي للعرب بكونهم عربًا - بتلك المزاعم الأمنية الجاهزة والمعروفة. وقد راح "يدعّم" موقفه السياسي هذا بـ "احصائيات" منها ان 11% من العمليات التفجيرية تورط فيها اشخاص ممن شملهم قانون لم الشمل. وزاد قائلا ان "الوضع الأمني لم يتغير، وحتى لو كانت فترة من التراجع في العمليات (...) فالآن هناك ازدياد في العمليات وفي التحذيرات منها".
يجب القول ان الجهاز الأمني الاسرائيلي برمته طالما سرّب "تقديراته" المبالغ بها عن "تصاعد التحذيرات" وعن "دالة العمليات المتصاعدة". لا نقول ان الواقع بات نظيفا من العنف الاحتلالي وما يفرزه..  ولكن اللافت انها "تحذيرات" تأتي دوما لخدمة اهداف سياسية واضحة وعلنية. واليوم مثلا، حين تتصاعد الهجمة على السلطة الوطنية الفلسطينية بدعوى "عدم محاربة الارهاب" يأتي رئيس الشاباك كي يحذر من "تصاعد التهديدات"، ولتكتمل الحملة وصورتها! وهكذا يقتل ديسكين فلسطينيَّين بحجر واحد: يصادر حق لم الشمل، ويصعّد التحريض على السلطة الفلسطينية!
بالاضافة، هناك تساؤل مقلق حول ذاكرة السيد ديسكين! فلماذا "ينسى" أن العديد ممن ينسب اليهم الضلوع في العمليات هم شركاء الأمس بالنسبة الى جهازه.. انهم عملاء جهاز الشاباك وجهاز الاحتلال عامة الذين قُدمت لهم مختلف التسهيلات لقاء "خدماتهم" الساقطة ضد شعبهم. فهل يـُراجع هذا الجهاز ما جلبه من موت على الشعبين؟!
ولكن هذا الجهاز الأمني لم يظل وحيدًا في دفاعه عن قانون عنصري باسم "الأمن". بل وجد تعزيزًا من جهة قضائية رفيعة تمثلت بلا أقل من المستشار القضائي للحكومة مناحيم مزوز. فقد ادعى هذا الأخير انه "خلال مناقشات اللجنة طرحت مزاعم بشأن أهداف ديموغرافية للقانون، ولكن هذا القانون جاء لمعالجة المشكلة الأمنية فقط (...) مبادرة القانون جاءت من الجهات الأمنية وهدفه امني".
من الواضح ان المؤسسة الحاكمة تحاول شن حملة مضادة مع تكشّف الأبعاد العنصرية للقانون، الذي سيربكها دوليًا أيضًا. وبما انها اعتادت امتطاء صهوة "البغل الأمني" في كل مرة ارادت تمرير مخططاتها، فقد أعدّت "سرج هذا البغل" هنا أيضًا!
ان هذا القانون الذي يأتي وسط صفاقة غير عادية من "التحذيرات الديموغرافية" على ألسنة معظم زعامات الأحزاب الصهيونية، لا يمكن تفسير دوافعه سوى بذلك الهوس الديموغرافي العنصري. فللقضايا سياقات رغم محاولات التمويه، وسياق هذا القانون هو العنصرية الديموغرافية التي يـُنطق بها بكل عادية في هذه الدولة. ومهما اختلق المدافعون عن هذه المبادرة من تبريرات "أمنية" فستظل الرائحة العنصرية البشعة منبعثة منه. انها وصمة عنصرية ستظل "تزيـّن" جبين مزوز والمؤسسة القانونية برمتها طالما لم تجد مبادرة القانون طريقها الى حيث يجب، الى سلة النفايات.

(الاتحاد)

الأربعاء 20/7/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع