بين التعايش الحقيقي.. والزائف!

شهدت مدينة حيفا أمس جريمة نكراء أقدمت عليها قوات القمع البوليسي، بإيعاز من رئيس البلدية يونا ياهف، هدمت خلالها بيتًا تقيم فيه منذ عشرات السنين عائلة عربية مؤلفة من 20 نفرا.
إن في هذه الجريمة دلالات كثيرة، خصوصًا حين تقترف في مدينة مثل حيفا تعرف بحسن العلاقات بين سكانها العرب واليهود، وبأجواء سياسية واجتماعية مغايرة لما تشهده البلاد عموما والمدن المختلطة بشكل خاص.
وقد أظهرت جريمة الهدم أمس نوعين من التعايش بين العرب واليهود; تعايش زائف بين الراكب والمركوب، وتعايش آخر حقيقي وكفاحي وندّي ومتكافئ.
النوع الأول من التعايش هو "تعايش الحمص والفلافل" والذي يكفي بموجبه أن يأتي اليهود إلى وادي النسناس يوم السبت ليأكلوا رغيفا من الفلافل أو صحنا من الحمص ويشربوا فنجانا من القهوة العربية، ويشتروا بعض الحاجيات والخضروات ويتمشوا في أزقة الوادي الحميمة، ثم يعودون أدراجهم إلى أحيائهم المتخمة التي لا تفيض فيها المجاري ولا يأكلها الفقر والبطالة والجريمة. عن هذا النوع من "التعايش" تتحدث إدارة بلدية حيفا، وشرطة حيفا، ووسائل الإعلام العبرية المهيمنة. وهذا هو النوع الذي لا نريد. وهذا ما نصرّ على تغييره.
أما النوع الثاني، الراقي، من التعايش فهو ذلك الذي جسـّده المعتصمون العرب واليهود في منزل عائلة بشكار، الذين واجهوا القمع السلطوي بأجسادهم، وذاقوا طعم الهراوات على أجسادهم، وتشاطروا دورية الإعتقال والزنزانة.
لقد كان النضال ضد الهدم في حيفا، منذ البداية وحتى اليوم، نضالا عربيا يهوديا مشتركا. ورغم هدم البيت فإن قوات القمع والجرافات السلطوية عاجزة عن هدم هذه الوحدة الكفاحية الرائعة التي أكدت للجميع أمس إن التعايش الذي ننشده وندعو إليه هو تعايش على أساس العيش المشترك، والكفاح المشترك. وهذا هو النوع الذي نريد.
وفي سياق متّصل، لا بد من التساؤل عن الأسباب التي تدفع يونا ياهف إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة غير المنطقية التي قد تحسم مصيره السياسي مستقبلا، في هذا التوقيت بالذات؟ مع العلم إنه وصل لرئاسة البلدية بفضل أصوات المواطنين العرب.
فهل اجتمعت فضائح ياهف المتعلقة بسوء الإدارة البلدية، مع فشل شرطة حيفا في محاصرة الجريمة، حتى وجدا لهما قضية وضحية عربية لسرقة العناوين وخداع الرأي العام وإنقاذ جلودهم؟
مهما يكن، ومهما وصل بعض المسؤولين من درك، فاننا نؤكد ما أكده الاجتماع الشعبي – التمثيلي أمس: يهدمون فنبني، وكل الضربات لن تزيدنا إلا قوة، ولن يؤدّي ذلك العنف البوليسي سوى الى عنفوان نضالي متجدد.

(الاتحاد)

الأثنين 6/6/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع