النائب بركة يكشف ''تقرير عبري''، و''الاتحاد'' تنفرد بنشر تفاصيله:
إعتراف صريح بأن ''الخدمة المدنية'' ستكون المقدمة للخدمة العسكرية!

*في نص التقرير نقرأ عن "ضرورة الحفاظ على افضلية الجيش"، عن تقسيمة "خدمات" تجول العرب تنقل العربي من الدرجة الثانية الى الثالثة*

بعد مرور حوالي الشهر على انتهاء عمل "لجنة عبري" المسماة رسميًا "لجنة انشاء الخدمة الوطنية – المدنية"، وتقديم توصياتها الى رئيس الحكومة اريئيل شارون، تنفرد "الاتحاد" فيما يلي بنشر أهم وأخطر ما ورد في التقرير، والذي قام بكشفه، رغم استمرار التستّر عليه، رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير في الكنيست، النائب محمد بركة.
يقع هذا التقرير الذي جاء تحت عنوان "توصيات مرحلية"، والمقدم الى رئيس الحكومة، وزير الامن ووزير الرفاه في 15 صفحة، وهو يفصّل المبنى المقترح من حيث الهيكل وتدريج الصلاحيات، للسلطة التي ستتولى تنفيذ مشروع "الخدمة المدنية". وهو تقرير يتحدث بلهجة الأوساط وليس المواطنة، ولا يتعامل مع القضية بأدنى المفاهيم المدنية. وهذا ما يفسّر لماذا جاء كما جاء، إذ أن العقلية والتصور فرضت النتائج.
لقد ضمت اجزاء التقرير العديد من الشروحات الادارية عن مركبات الاجسام المقترحة للمشروع، وسنكتفي بالاشارة إلى، واقتباس، أهم النقاط، وتقديم خلفيات موجزة لها متى أمكن. ولكن قبل ذلك يجب أن نشير الى أن التقرير يتعاطى مع "الخدمة القومية" و"الخدمة المدنية" بنفس واحد تقريبًا، على الرغم من فصلهما الشكلي، وهو ما يتجلى في العرض وفي الاستنتاج والتوصية على السواء.
يبدأ التقرير بتحديد المبادئ الأساس للمشروع، وفيها تأكيد لطابعه الرسمي رغم الحديث عن استقلاليته. واللافت للانتباه هنا هو تأكيد معديه على اعتمادهم منطلق: "النجاعة والمرونة، من خلال الاستناد الأكبر في الموارد على مصادر غير حكومية". فمنذ البداية "تحرر" الحكومة نفسها من تكاليف ما تنسجه. ويرتبط هذا المبدأ الموجّه مع التوصية الصريحة بأن تخصص الحكومة سنويًا 10 ملايين شيكل لمشروعها كميزانية جزئية، إذ أن العبء الأساس سيقع على كاهل الجمعيات التي ستقام كشريكة في إدارة المشروع وأيضًا على المؤسسات التي ستستوعب المتطوعين..
وقد جاء هذا صراحة في فصل "الميزانية والادارة"، حيث يكتب معدو التقرير: "تؤكد اللجنة ان الاجسام التفعيلية ستكون مطالَبة بالمساهمة في تمويل التكلفة المباشرة لمن يؤدون الخدمة، والمقدرة بـ 20 الف شيكل سنويا مقابل كل شخص". ومن غير الواضح هنا إن كان المقصود هو أن يتم إلزام المؤسسات التي سيتم التطوع فيها للأشخاص الذين يتطوعون، مما يلقى علامة استفهام كبيرة على معنى هذا التطوع. فهل سيُطالب مستشفى ما بتحمل تكاليف المتطوعين، وما الذي سيدعوه لذلك في ظل الأزمة الخانقة التي يعاني منها قطاع الصحة، بسبب السياسة المدمّرة التي تنتهجها نفس الحكومة التي تقترح هذا التطوّع العجيب!
وبالطبع فإن مثال الصحة ينطبق على كل القطاعات الاجتماعية التي يمكن افتراضها عناوين للتطوع. وممّا يمكن استشفافه، فإن اعفاء الحكومة لنفسها (من خلال ميزانية الدولة) من تغطية كامل تكاليف المشروع المفترض، هو أمر يقول الكثير.. ليس أقله ان المشروع سيساعد مؤسسات قوية أصلا وهي قائمة في بلدات وبين شرائح قوية اقتصاديا، وهذا ما لا يشمل البلدات والمؤسسات العربية! فأين يخططون للشباب العربي "التطوع"؟!
بالاضافة فإن واحدا من بين المبادئ الأساس التي وجّهت واضعي التقرير، كما يكتبون، هو "الحفاظ على أفضلية وأولوية الخدمة العسكرية الالزامية"، وهنا يُثار السؤال حول صحة تلك الوعودات التي قد يسمعها الشبان من "فوائد الخدمة". ويزيد من التشكيك ما ورد صراحة في بند آخر منفصل. وقد جاء فيه: "ان اللجنة تتبنى النظام السائد بشأن حقوق من يخدم في الخدمة القومية والامتيازات التي يستحقها، والموازية للحقوق والامتيازات المعطاة للجنود من الوحدات غير المقاتلة. وهي (اللجنة) توصي بسريانها على من يخدمون في الخدمة القومية والمدنية من الآن فصاعدًا". وتكتسب هذه النقاط أهمية، لا بل خطورة، في ظل الرسم الذي أُلحق بتقرير التوصيات والذي يقسم مجموعات الخدمة الى "وطنية" وأخرى "مدنية" بحيث يضع العرب في الثانية. ويمكن الإدعاء ان العرب سيكونون هنا في الدرجة الثانية، وسيصبحون في الدرجة الثالثة اذا اخذنا بالاعتبار ان فوق هاتين الخدمتين (القومية والمدنية) هناك الخدمة العسكرية، التي يدعو التقرير الى ابقائها ذات "الافضلية والاولوية" الاولى!
وما سلف يناقض الادعاء الوارد في التقرير، بأن التوصيات من شأنها خلق "التسوية بين مبدأ المساواة والواجبات المدنية المرافقة لها، وبين المشكلة القومية الموضوعية التي تمنع تجنيدهم للجيش". فحتى في حال جرى جرّ شبان وشابات عربًا الى مشروع الخدمة هذا، سيظلون خُدّامًا من الدرجة الثالثة. وهو ما يناقض مفهوم المساواة بالشكل الذي تفهمه وتطالب به الجماهير العربية. ونشير هنا الى ذلك الاشتراط المفهوم ضمنًا لحق المساواة بتقديم خدمات، يتعارض مع الديباجة الاساسية لكل مواثيق حقوق الانسان التي لا تشترط الحق بأية واجبات لدولة، كون حقوق الانسان (وبينها الحق في المساواة) كونية وأساسية لا يسبقها أي اشتراط. ولكن غني عن القول ان المؤسسة لا تخاطب الجماهير العربية بهذه اللغة، بل بمفاهيمها هي عن المساواة وكأنه سلعة يجب أن يُفع مقابلها للحصول عليها.. ومن يعلم، ففي دولة يُخَصخَص فيها كل شيء، لماذا تبقى حقوق الانسان خارج منطق السوق؟!
في بند "الوسط العربي" يقول التقرير: "اللجنة توصي بفتح... إطار الخدمة المدنية لأبناء وبنات الوسط العربي... بهدف ايجاد بديل للخدمة العسكرية لهم، و (توصي) بإقامة اطار بديل يسمح للشباب العرب بخدمة الجمهور والمجتمع والدولة معًا".
وحتى نفهم كيف يمكن تقديم هذه الخدمات "معًا"، يجب أن نقرأ.. نقرأ التقرير الذي يعلن أنه يتبنى توصيات "لجنة لبيد" (نسبة الى وزير القضاء السابق يوسيف لبيد) التي شكلتها الحكومة لتنفيذ توصيات "لجنة أور". وهي (توصيات لبيد) شملت بندين مرتبطين كالتالي:
"1. تقوم الحكومة بدفع فكرة انشاء خدمة قومية رسمية مدنية، يقوم بها مواطنو اسرائيل الذين لا يُستدعون الى الخدمة العسكرية. هذه الخدمة يمكن القيام بها تطوعًا وفي اطار جمهورهم كمرحلة مبكرة".
أما البند الثاني مباشرة بعد "المرحلة المبكرة" المذكورة فيقول بالحرف:
"2. الحكومة ستشجّع امكانيات توسيع دائرة المتطوعين من أبناء الوسط العربي الى الجيش، شرطة اسرائيل وأطر اضافية، وتفحص الطرق لدفع خطوات التطوع هذه".
ومع أن البندين صريحان بشكل "يثير الإعجاب"، فيجب اعادة التأكيد هنا على ان التقرير يقول صراحة انه يرى في "الخدمة المدنية" خطوة أولية أو "مبكرة" كما يصفها، بحيث تسبق الهدف المعلن للحكومة وهو استعمال قاعدة التطوع هذه لفرض الخدمة العسكرية بالإغراء والترغيب، وتجنيد الشباب العرب للشرطة و"أطر إضافية" (ما هي هذه "الأطر"؟!).
هذه النقطة الاخيرة بشأن نوايا الحكومة المعلنة ترتبط بما توصي به اللجنة بوضوح، وهو ما يُشتق من "رسمية" المؤسسة التي يراد لها ادارة هذا المشروع الحكومي. ففي الحديث حول "المجلس الجماهيري" الذي جرت التوصية باقامته ليكون الجسم صاحب الصلاحية العليا، توصي لجنة عبري بأن يضم المجلس 25 عضوا "يعيّنهم رئيس الدولة، حسب توصية الحكومة"..
بين هؤلاء الأعضاء:
10 شخصيات جماهيرية "تختارها الحكومة".
4 ممثلين للحكم المحلي.
و 11 ممثلا للحكومة مباشرة، عن الوزارات المختلفة ومكتب رئيس الحكومة، بمن فيهم "ممثل لوزارة الأمن أو الجيش".
ومن الواضح هنا أن القرارات والسياسات ستكون سلطوية حكومية بحتة. فليس فقط ان هناك 11 ممثلا مباشرًا للحكومة، بل ان قائمة الشخصيات الجماهيرية المذكورة ستضعها الحكومة بنفسها. وكل التركيبة النهائية بمن فيها ممثلو الحكم المحلي ستخرج من طاولة الحكومة. إذن، من الواضح أن العنصر المدني الذي يفترض أن يترك مساحة للمجتمع والجمهور لصياغة اولوياته بعيدا عن اعتبارات السلطة بكل ما تعج به من معايير واعتبارات فوقية وحزبية ومصلحيّة وغيرها، هي مساحة تكاد تكون معدومة. أي أن المشروع الذي يختبئ تحت التعريف "المدني" إنما يواصل تضييق
المساحات المدنية ومصادرتها.
ومما يؤكد ما سلف هو ما جاء حرفيًا في مكان آخر في التقرير: "بما أن المبنى الدستوري القائم في دولة اسرائيل لا يتيح اقامة سلطة الخدمة المدنية كسلطة (Agency بالمعنى المتعارف عليه في النظام الامريكي) مستقلة تمامًا، فقد فحصت اللجنة البديل ووجدت انه من المفضل الحاق معالجة موضوع الخدمة المدنية بمكتب رئيس الحكومة". وتشير هنا الى ان ممثل وزارة الرفاه يعارض هذا التوجه ويطالب بإلحاق الخدمة بوزارته. ومن غير المعروف ما هي الاعتبارات التي اعتمدتها اللجنة ضد هذا الموقف. ولكن من الممكن أنها الاعتبارات الأمنية المعهودة. وهي نفس الاعتبارات التي قامت عليها هذه الخدمة "المدنية" التي يجري الاعتراف في التقرير الرسمي بشأنها صراحة أنها ليست سوى الرافعة للمرحلة القادمة التي ستشجّع فيها الحكومة "توسيع دائرة المتطوعين من أبناء الوسط العربي الى الجيش، شرطة اسرائيل وأطر اضافية". لا حاجة لأي تعليق على هذا الاقتباس الصريح..

بركة: المؤامرة باتت أكثر حدة ووضوحًا، وعلى الرفض ان يكون الآن أكثر حدة ووضوحًا

حيفا – مكتب الاتحاد – يؤكد النائب محمد بركة الذي كشف تقرير عبري الخطير أن "كل ما توقعناه عبر تحليل ما رشح عن التقرير وجدناه بشكل صريح في نص التقرير".
وأضاف: ان حملة العلاقات العامة لتجميل صورة التوصيات تبيّن أنها لا تحمل سوى الكذب. فالنص نفسه يتحدث عن خدمة مدنية كمقدمة للخدمة العسكرية. وما يترتب عن هذه الخدمة سيكون تحويل العرب الى مواطنين من الدرجة الثالثة، تحت الخدمة العسكرية والقومية.
وتابع بركة: أما الأمر الذي لا يقلّ خطورة فهو الاعلان الصريح عن ان الخدمة المدنية هي خطوة سابقة لتوسيع دائرة الخدمة بحيث تصبح عسكرية تخدم حاجات الجيش. وهناك ذكر صريح انه – الجيش – يبقى صاحب الافضلية والاولوية، وهذا ما يؤكد ما قلناه وهو ان هذه الخدمة هي شكل من اشكال السخرة، تتم بأوامر من وزير "الأمن" الذي عين لجنة اقامة هذه الخدمة. والآن بعد حصولنا على نسخة من التقرير باتت المؤامر أكثر حدة ووضوحًا، ويجب ان يكون رفضها بالتالي أكثر حدة ووضوحًا من كل شرائح مجتمعنا العربي. فالحكومة التي لم تأت بأيدٍ نظيفة للجماهير العربية لا تتورع عن تبرئة نفسها مما هي مسؤولة عنه. فهي عمليًا تقول للمواطنين العرب بذريعة الواجبات "ما يتوجّب عليكم يقع عليكم، وما يتوجب علينا (على الحكومة) أيضًا يقع عليكم"..

 

اللجنة الجبهوية ضد "الخدمة المدنيّة" ومن أجل المساواة:

التقرير يؤكد بشكل قاطع صدق ومسؤولية الجبهة

*وتؤكد: لنناضل في الشارع العام والمدارس الثانويّة والجامعات، والتوعية الجماهيريّة والنضال الشعبي كفيلان بالتصدي للمخطّط*

حيفا مكتب الاتحاد - عقّبت اللجنة الجبهوية ضد "الخدمة المدنيّة" ومن أجل المساواة على تفاصيل تقرير عبري ببيان جاء فيه:
"إنّ الكشف الهام عن توصيات "لجنة عبري" الذي قام به النائب الجبهوي محمد بركة، بالرغم من محاولة الحكومة إبقاءه سريًا، يؤكد بشكلٍ قاطع مدى صدق ومسؤوليّة الجبهة التي حذّرت شباب جماهيرنا من هذا المخطّط في بداياته.
"إنّ تأكيد المخطّط للمرّة الأولى والثانية والثالثة على أفضليّة الجيش على "الخدمة المدنيّة" هو أمر معروف حذّرنا منه في مختلف البيانات والندوات، فدولة إسرائيل دولة إسبارطيّة تمجّد العسكرة دون سواها.
"كما أنّ استعمال مخطّط "الخدمة المدنيّة" كوسيلة لتقريب الشباب ضعاف النفوس من الجيش والشرطة ومن الأطر الأمنيّة الأخرى (كالشاباك والموساد) هو محاولة بائسة لاستعمالهم حصان طروادة في صفوف ابناء شعبهم، إن كان الفلسطيني الذي يناضل من أجل حقّه العادل في الدولة والاستقلال أو الجماهير العربيّة الفلسطينيّة التي تناضل من أجل إحقاق حقّها في المساواة التامّة".
وأضاف البيان: "إن دمج الشباب العرب في إطار "الخدمة الثالثة" (الخدمة المدنيّة) بعد "الأولى" الخدمة العسكريّة و"الثانية" (الخدمة القوميّة، هو محاولة لتحويل الجماهير العربيّة من مواطنين درجة ثانية إلى مواطنين درجة ثالثة".
وأكّد البيان: لقد اختارت الجبهة موقفًا مبدئيًا مثابرًا، واعيًا ومسؤولا، وهو رفض مخطّط "الخدمة المدنيّة" بـ (لا) قاطعة، بدون تأتأة وبدون وضع كلمة (ولكن) ومشتقاتها من ورائها، من أجل أن نضع خطًا أحمر قاني بين المخطّط وجماهيرنا. واليوم، بعد إماطة اللثام عن هذه المخطّط فإن المطلوب هو تكثيف التوعية الجماهيريّة والنشاط الجماهيري في المدارس الثانويّة والجامعات والشارع العام من أجل التصدي للمخطّط الذي يريد تكريس التمييز وتعميق الدونية وتشويه الانتماء الوطني".

هشام نفاع
الخميس 17/3/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع