يا شاعرَ القُطْرَيْن


محمد علي الصالح


الشاعر العربي الكبير خليل مطران

 


 

"هذه القصيدة ألقيتُها بنفْسي بين يَدَيْ شاعرِ الشَّرق خليل بك مطران في ردهة المقهى الجديد(1) بطولكرم، مساء يوم 3 / 9 / 1925م بين تصفيقِ الجمهور وطَرَبِ الحضورَ، فَطَلَبَ إليَّ الشاعر أنْ أُهدِيَها له، فَتَقدمْتُ وصافَحْتُهُ مصافحةً اخويةً وأَهْدَيْتُهُ إيّاها على محضرٍ من المحتفلين. وكان الشاعر مطران قد قام بزيارة فلسطين أواخر آب 1925 للتعرف على شعبها و مدنها و حضارتها و مقدساتها الاسلامية و المسيحية، وعندما وصل مدينة طولكرم حل ضيفاً على ديوان عائلتي (آل التايه) لمدة ثلاثة أيام، وانطلق بعدها إلى القدس وبيت لحم. و بين أيديكم قصيدتي في إستقباله".


فَرْضٌ عليَّ تحيةُ العُظَماءِ               يا شاعرَ القُطْرينِ والشُّعراءِ
يا رافعاً عَلَمَ القريضِ وناشراً            آياتِهِ في هــذه الأَرجاءِ
يا شاعرَ الشّرق العظيمِ وَمَن سَمى      فوق الدَّراري، هامةِ الجـوْزاءِ
يا فَخْرَ يَعْرُبَ يا فريدَ زمانِهِ             أهلا بهذي الهمّةِ القَعْســاءِ
أُزجيكَ عن قومي الكرامِ تحيةً          بجمالِها كالدُّرةِ العَصْمــاءِ
يا ناظماً مَلَكَ القلوبَ بِشِعْرِهِ           مَنْ لي ببعضِ القَوْلِ والإيحاءِ
مَنْ لي بشيطان القريض يَقودُني          شَوْقـاً لتلك القُبّةِ الزَّرقاءِ
فَأصوغُ في مَدْحِ الخليلِ قصيدةً         عَرَبيةً كالغـادة الحسْـناءِ
تَخْتالُ في حُلَلَ الدّمَقْسِ بهيجةً           أرْخى عليها الحسنُ كلَّ رداءِ
وَتَسيُر ما بين الرِّياضِ كأنها             بدرٌ يسير بليلـــةٍ ليلاءِ

**
أهلاً  بشاعرِنا الكريم ومرحباً         بِمليكِ هذي الحِرْفةِ السَّمْحاءِ
بالشاعرِ الحرّ العظيمِ المُرْتـَضى       شرفَ البلادِ ،وقائِدِ الفُصَحاءِ
بالعبقريّ البلبلِ الغرّيدِ في            أحياءِ مصرَ وجِلّقَِ الفيْحــاءِ
ربِِّ القوافي مَنْ له جاءَت بلا         قَيْدٍ ولا شرطٍ ولا إيمـــاءِ
الناظمِ الفذِّ الكبيرِ ومن غَدا          ربَّ الكلامِ وكعبـةَ الأُدباء

**
يا أَيها الورقاءُ في نَبْتِ الرُّبا            سِحّي الدّماءَ بِمَدْمَع الخَنْساءِ
نوحي على مجدِ العروبةِ كلّما          هَبَّ النَّسيمُ بساحةِ الشهداءِ
وتـَفَجَّعي جَزَعاً على أَطلالِنا            اليومَ تَبغي منكِ بعضَ دماءِ
            
**
إن العدوَّ رمى القلوبَ بأسهمٍ          فأصابهـا في طعنةٍ نجــلاء 
وغَدا يُفَتّتُ، حانقا، أكبادَنا              ويسيُر سيرَ الكِبْرِ والخُيـَـلاءِ
إن البلادَ وما بها من كُرْبةٍ             نكراءَ مثل الصَّخرةِ الخرْسـاء
تدعو البنينَ إلى الجهاد ليُنْقِذوا        أوطانَهُمْ من قبضةِ الاعــداءِ
     
**
هذي الجزيرةُ يا خليلُ عَرينُنا         لعبوا بها كالآلــة الصَّمـاءِ
أَذْكوا بها النيران حيثُ توقَّدَتْ        باليابسِ المهجورِ والخَضْـراءِ
داموا استباحةَ قبْـرِ عيسى وَيْلَهُم     وتطرَّفوا ،ياقومُ ،للعـــذراءِ
وكذا استباحوا ثالثَ الحَرَمَينِ في        ظُلْمٍ لِيَسْبـوا قِبْلـةَ الإسراءِ

**
لا كان يا بِلْفور وعداً جائراً           مُنِيَتْ بهِ قحطانُ في الأحشاءِ
 قطعوا لنا وعدا شريفا فانظروا      أين الوعودُ .؟ معاشرَ الحُلَفاءِ
لكنَّ ذا شَرْعِ السياسةِ عندَهُم        وسلوكَهُمْ في نُصْرةِ الضُّعفاءِ!!
"أخليل " نرجو هِمة نسموا بها        للفَرْقَدَيْنِ بِسُلَّمِ العَلْيـــاءِ
 فَنُعيدُ مجداً كان في شُمِّ الذُّرى      واليومَ يبكي الأَهلُ في الغَـبْراءِ
دَفَنوهُ حَيّاً في التُّرابِ وغادروا         أصحابَـهُ في نَكْبَةٍ نَكْــراءِ
يا أيها اليومُ الجليلُ مكانــُهُ         بِلُقا خليلِ العُرْبِ نعـمَ لقاءِ
الزَّهْرُ أَيْنَعَ باسمـاً عن ثَغْـرِهِ         في الرََّوْضةِ الفَتّانةِ الغَنّـــاءِ
والطيْرُ في الأفنانِ تَسْجَعُ ضَحوةً       تَتْلو على المُطْرانِ خيرَ غنـاءِ
        
**
يا أيها العَلَـمُ الأَشَمُّ تحيةً               عَنْ طيبِ نفسٍ في الوَرى وسَخاءِ
من بَزَّ أَبطالَ القريضِ مُعَرِّجـاً          بطريقِهَ للجنَّةِ الغَلْبـــــاءِ
مُحْيي لسانَ الضادٍ في أشعارهِ          وَمُصيغُها في حكمةِ الحكَمـاءِ
يا مَنْ أزالَ عن الصباحِ غشاوةً         غَبْراءَ مثلَ الغيمةِ السَّــوداءِ
ما غرَّدتْ فوْقَ الغصونِ حمامةٌ           أوْ طابَ عند الختْمِ مِسْكُ ثَنائي 


 
: ما يعرف الآن بمقهى المعارف في طولكرم .


        
 (طولكرم في 3/9/1925)
                 

السبت 3/11/2012


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع