وداعًا يا سجين ايار 1958 ، وداعّا ايها الشيخ الاحمرمريد فريد
قبل أيام قليلة رحل عنا الشيخ فتحي أنيس محاميد ، المعروف بالشيخ الاحمر ، صديق الحزب الشيوعي الصدوق. رحل عنا بعد صراع طويل مع المرض ، مرض السكر ، الذي اصبح مرض العصر ، هذا المرض الذي يعاني منه نسبة عالية من مواطني اسرائيل اليهود والعرب . عرفت الشيخ فتحي منذ نعومة اظفاري ، بعد خروجه من السجن عام 1959 من القرن الماضي . دخل السجن شابا يافعا في العشرينيات من العمر ، مع رفاقه الابطال ، من ام الفحم والناصرة ، الذين اصروا على افشال مؤامرات السلطة والحكم العسكري والعملاء الذين ارادوا الاستمرار بمهزلة الاحتفال بعيد استقلال اسرائيل . وانشاد "بعيد استقلال بلادي قلبي فرحان" الخ ... تبييضا لصفحة حكام اسرائيل السوداء. اصر الحزب الشيوعي ورفاقه الابطال على الاحتفال بالاول من ايار ، عيد العمال العالمي عيد الكفاح الطبقي ، ومن اجل الحقوق القومية والاجتماعية . صمم رفاق الحزب الشيوعي في ام الفحم على احياء ذكرى عمال شيكاغو الذين صنعوا الاول من ايار، هذا اليوم الكفاحي . رغم انف الحاكم العسكري سيئ الصيت الملقب "بالامين" اعدوا العدة جيدا ، احضروا رفيقنا طيب الذكر توفيق طوبي راكبا على حمار، كان رد الحكم العسكري الذي احضر العساكر المدججين بالسلاح الاعتداء على المحتفلين بالاول من ايار في "ساحة ايار" امام جامع المحاجنة. الا ان العسكر فوجئوا كما روى لي زميل بالمهنة يهودي كان يؤدي الخدمة الاجبارية. جاء مع زملائه العساكر لتلقين اهالي ام الفحم درسا لن ينسوه ... كما قال لي. الا ان العتمة لم تكن على قد يد الحرامي ، رفاق الحزب الشيوعي الابطال ، اهالي ام الفحم الشباب امثال الشيخ فتحي سجلوا اسطورة بالصمود ، وذهبوا الى السجون مرفوعي الرأس موفوري الكرامة . الشيخ فتحي الاحمر ، لم يكن في يوم من الايام عضوا في الحزب الشيوعي. الا انه كان يعتز ويفتخر حتى يومه الاخير بالحزب الشيوعي ورفاقه . ويعتز بصداقته المتينة لهذا الحزب الاصيل. اذكر انه في اواخر السبعينيات ، وبداية الثمانينيات عندما جاءت الحركة الاسلامية ، وبعض المشبوهين الذين جعلوا من معاداة الشيوعية ، ومعاداة القائد الراحل الوطني جمال عبد الناصر جعلوه دينا وديدنا لهم ، تصدى لهؤلاء ولهذه الظاهرة حتى يومه الأخير. كان حريصا على مساعدة الحزب ، اذكر انه لم يكن هاتف في بيت أي رفيق في الحزب الشيوعي وكان الشيخ فتحي يملك حانوتا شراكة مع آخرين، وكان في الحانوت هاتف سلكي ، وبكل رحابة صدر سخر هاتفه لابلاغي بضرورة الاتصال مع مركز الحزب والشبيبة الشيوعية . وكان حين يعود من يوم عمله في الحانوت يحرص على ابلاغي بذلك. اذكر ذلك اليوم الذي قام فيه نفر من تجار الدين ، بالاعتداء على مخيم العمل التطوعي وعطلوا فرود الكهرباء الاساسي ، فطلب مني الرفاق الذهاب الى مركز الشرطة لابلاغهم بالأمر، "عسى" ان يقوموا بواجبهم. بعد عودتي من مركز شرطة وادي عارة (لا ادري لماذا يسمونها عيرون) وجدته مع العشرات من الجيران يحرسون بيتي بعد ان اضؤوه باللكسات . وجود دكان الشيخ فتحي في مركز حي المحاميد ، كان يفيدنا جدا في معارك الانتخابات للبرلمان وللسلطة المحلية ، وكالعادة كان يتجمع عنده خلال النهار العشرات ممن جاءوا لشراء حاجاتهم ، وكالمعتاد ، كانت تطرح الآراء والنقاشات في قضايا الساعة والقضايا العامة ومنها المعارك الانتخابية . عندما كنا نلتقي ، خاصة وانه جاري ، كان يعطي لي ومن خلالي لرفاقنا في الحي صورة واضحة عن الوضع الانتخابي في البلد عامة ، وفي حيّنا حي المحاميد خاصة. لا يمكن لسطور قليلة اعطاء هذا الشيخ الاحمر حقه ، لأن حياته كانت مليئة بالعطاء وبالابتسامة التي لم تفارقه ابدا . عزاؤنا بزوجته رفيقة دربه علياء ، بابنه وبناته واقربائه وانسبائه. ستبقى ذكراة خالدة حية في وجداننا .
(ام الفحم)
الخميس 30/6/2011 |