توفيق طوبي إسم لطريق مشرّف وعنوان لمرحلة


عصام مخول


"أنا راحل ، فهل ستذكرونني ؟" .. سألتني في إحدى زياراتي الاخيرة.. فأنكرنا عليك أن تسأل.
 وكنت أعرف أنك كما عودتنا، لا تسأل عنك، وإنما تسأل عنا..
فهل نجيب على سؤالك المتحدي؟ وأنت ذكرانا وأنت ذاكرتنا وأنت ذكرنا الحكيم !.
أن نذكر توفيق طوبي ، فليس في ذلك شهادة  لك ، بقدر ما في ذلك شهادة شرف وطني وطبقي وإنساني لنا، كرفاق درب وحزب أممي وقوة ديمقراطية يهودية عربية ، ولنا، كأقلية قومية - جزءا حيا وفاعلا ونشيطا من الشعب الفلسطيني ، وجزءا شرعيا من المجتمع والمواطنة في إسرائيل، ومن الحق في التأثير على ساحتها السياسية والاجتماعية وإلقاء ثقلنا كاملا من اجل تغييرها ، في ساحات التغيير التي تتسع هنا أيضا، لكل الديمقراطيين العرب واليهود.
أن نذكرك ، هو أن نذكّر اليوم ، ونحن على أعتاب أيلول، أولئك المأزومين الذين يثيرون مخاوف الشعب اليهودي في إسرائيل من اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية ،  بما كتبته في وثيقة عصبة التحرر الوطني التي أصدرتها في حيفا في أيلول 1948 وكأنها موجهة لأيلولنا القادم ، فكتبت :
"إن مصلحة الشعب اليهودي والطبقة العاملة اليهودية في تحرر القسم العربي من فلسطين ، هي مصلحة مساوية لمصلحة الشعب العربي نفسه. إن نشوء دولة عربية مستقلة في فلسطين، دولة ديمقراطية شعبية هي الضمانة الوحيدة لتحرر الشعب اليهودي من النفوذ الاستعماري، هي الطريق لمنع الرجعية اليهودية من الارتماء بشعبها كليا في أحضان الاستعمار." 
فما أصدق هذا الكلام يومها، وما أصدق هذا الكلام اليوم!
كنت منا شجرة المعرفة - أكلنا من ثمارها عنوة، فأصبحنا نميز بين الخير والشر، بين الثوري والرجعي، بين مصالح الشعوب ومؤامرات مستغليها والمستبدين بها،  بين ثورة الشعب، وبين الثورة المضادة للشعب، المتحالفة مع الامبريالية وأدواتها.
 كنت منا شجرة المعرفة ، التي تظللنا بفيئها ، فأصبحنا نعرف أن نغلّب الاستراتيجي على التكتيكي، وأن نميز التناقض الرئيسي ونغلّبه على التناقضات الثانوية، وأن نغلّب الموقف الثوري الصحيح على الموقف الشعبوي الرائج ، وأن نتمسك بأخوة الشعوب في قلب الصراع القومي الهائج ، وأن نغلب المبدئية على الذاتية، والاستقامة والتضحية على الكسب السياسي الانتهازي المؤقت.
على هذه الصخرة، بنيت وحدة الحزب الفكرية والسياسية والتنظيمية، وعلى هذه الأسس أرسيت الوحدة الكفاحية للجماهير العربية في إسرائيل، وعلى هذه المبادئ رسخت مفاهيم وحدة الكفاح الاممي اليهودي العربي وأخوة الشعوب.
أن نذكرك هو أن نذكر الحجر الذي أهمله البناؤون فصار رأس الزاوية ، أن نذكرك هو أن نذكر تاريخنا وقيمنا الكفاحية،  ومعركة بقائنا وصمودنا وتحولنا على طريقك وتحت قيادتك، من أشلاء شعب ممزق منكوب، إلى أقلية قومية شامخة ، وقوة ديمقراطية أساسية تكافح برأس مرفوع،  ضد اضطهادها وضد كل اضطهاد .
ولا خيار لدينا  :  فإما أن نذكرك ونتمسك بتعاليمك وتواضع قيادتك، ورصانة  قرارك .. بأمميتك وانحيازك الطبقي... بموقفك من ثلاثي الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية .. وإما أن نضل الطريق.
لقد علمتنا أن المسألة لا تنتهي بأن نشتم هذا الثلاثي الدنس في مواسم الشتم المؤاتية ، فنحن مطالبون  بمقاومة استراتيجياته ومشاريعه عينيا، لإفشالها في كل موقع وفي كل موقف وفي كل سياق، ودون مداراة لأحد أيا كان المندمجون بها والمتماشون معها.
توفيق طوبي –أكثر من إسم لقائد تاريخي عظيم نحبه ونعتز به . إنه إسم لطريق مشرف وعنوان لمرحلة هامة في التاريخ التقدمي والديمقراطي الناصع لشعبي هذه البلاد وفي حياة  هذا الوطن ،
فيا أيها الجبل المستلقي على شاطئ الكرمل ..جبل على جبل .. علا جبلا  من التاريخ،  نرنو إليه .. لأننا لا زلنا بحاجة إلى بوصلة ، (فطوبى لك طوبي) كيف تحولت من قائد إلى نجم الشمال نستهدي به أبدا !


(ألقيت في حفل التأبين للقائد توفيق طوبي)

الثلاثاء 24/5/2011


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع