القائد توفيق طوبي


رفيق جبارين


ترجّل القائد توفيق طوبي ونزل عن مسرح الاحداث، بعد قيامه بواجبه الوطني والقومي والأممي من اجل العدالة الاجتماعية والذود عن الحقوق، وسيفه كان دائما ماضيا فولاذيا لا ينكسر كما خلف وراءه ارثا غنيا سيتعب الباحثون من غزارته، وبهذه العجالة ان اتناول شيئا قليلا من سيرته وخاصة في العقدين الاولين منذ النكبة.
بداية لا بد لمحة عن حياته الشخصية
القائد من مواليد سنة 1922 انضم الى عصبة التحرير الوطني وعمره لم يتجاوز الـ 18 سنة، حمل هموم شعبنا ودافع عنها منذ نعومة اظفاره.
صار شيوعيا عندما انضمت عصبة التحرر الوطني الى الحزب الشيوعي الفلسطيني واصبحت جزءا منه. في سنة 1949 انتخب نائبا للكنيست من قبل حزبه وشغل هذا المنصب حتى استقال سنة 1990 هو ورفيقه ماير فلنر ليحل مكانهما السيدة تمار غوجانسكي والسيد هاشم محاميد.
شغل منصب سكرتير عام للحزب الشيوعي الاسرائيلي منذ سنة 1989 حتى سنة 1993.
قاد مع حزبه النضال ضد الحكم العسكري البغيض والشنيع حتى تم ابطاله.
قاد الجماهير العربية ضد مصادرة اراضيهم وهدم مساكنهم وتشريدهم وترحيلهم من قبل السلطات الحكومية، كما خاض مع حزبه معارك الصمود والبقاء ومن اجل المساواة وحقوق الطبقة العاملة.
كما كان من مؤسسي جريدة "الاتحاد" وقام فترة طويلة بتحريرها وقد نجح القائد توفيق طوبي هو وحزبه بارجاع بعض الشخصيات العربية المؤثرة الى الوطن وذلك بعد انتقالهم الى خارج الوطن خلال حرب الـ 48، ومنهم محامي الارض حنا نقارة، ود.  اميل توما مؤسس الادب العربي المقاوم.
عرفت توفيق طوبي منذ كنت ولدا حيث كنت اهرع مع اهالي بلدي ام الفحم عندما كان يأتي الى ساحة الميدان ويخطب بالناس وهو  واقف على برميل وقد سمي فيما بعد في البلد "برميل طوبي". كلامه كان نبراسا مضيئا مبددا للخوف الذي ساد آنذاك بسبب النكبة والحكم العسكري الذي اضطهد شعبنا ومارس ضدهم اشنع المعاملات المتعددة الجوانب من تشريد ومصادرة الارض والتخويف والتعذيب الخ...
توفيق طوبي منذ صغره اثبت بأنه قائد مسؤول، ويعرف ما يقول وحتى انه كان يهتم بصغائر الامور. فمثلا يروي التاريخ انه في سنة 1948 في عز معمعة الحرب، وبعد احتلال حيفا من قبل جيش الهجاناه وقتل وتشريد اهلها، طلب القائد العسكري من طوبي وباقي القيادة العربية في حيفا بان يجتمعوا معه لمناقشة موضوع نقل سكان العرب في الكرمل الى البيوت المهجورة من قبل اهلها في وادي النسناس في حيفا، في هذا الاجتماع سأل طوبي القائد العسكري هل صدر الامر بما سيناقشونه، فأجيب بنعم. وعندها قال طوبي "اذا لا حاجة للنقاش فهو بدون فائدة وان المشكلة اصبحت سياسية وليست عسكرية وانتم تريدون زج وحصر العرب بغيتو – ونحن لم ننتظر منكم هذه المعاملة، اين حقوقنا كعرب، ولو بقي الانجليز لكان افضل لنا، ومع هذا ان كان هناك مشبوهون ترون فيهم خطرا، فلا معارضة على اتخاذ اجراءات ضدهم ولكن لا يوجد، فلذا نطالب بعدم نقلهم وسؤالي هل فكرتم بمصاريف نقلهم؟
برأينا هذا الكلام يدل على قائد اهتم بأمور شعبه الكبيرة منها والصغيرة، ويدل ايضا على مسؤولية الرجل القائد توفيق طوبي الذي اعتاد ان يقدم اقتراحات لابطال الحكم العسكري حتى انه اقنع السيد مناحيم بيغن بان الحكم العسكري لا فائدة منه سوى للحزب الحاكم مباي الذي يستغل ويجبر العرب على انتخاب قوائم عربية للكنيست هي تحت الإمرة والطاعة العمياء لهذا الحزب الحاكم. وعندما انضم بيغن للمطالبين بابطال الحكم العسكري فقد ابطل فعلا في اكتوبر سنة 1966، مع انه بقي بشكل آخر "يَرى ولا يُرى".
محاضر الكنيست تشير الى انه في احدى المرات لم يبطل الحكم العسكري وذلك بسبب صوت نائب عربي واحد الذي صوت ضد اقتراح ابطاله، وهذا اكبر برهان على ان القوائم العربية التي كانت مرتبطة بالحزب الحاكم مباي كانت بدمى من الكرتون فقط لا غير، وتستغل حتى ضد العرب.
يروي التاريخ ان نائبا صهيونيا في الكنيست قال لطوبي "انت تحتل مقعدك بالكنيست بفضلنا"، فرد عليه الشاعر اليهودي التقدمي نتان الترمان "من هو توفيق طوبي انه نائب يحتل مقعده عن جدارة وليس بفضل احد.
في سنة 1956 قام افراد وضباط من الجيش الاسرائيلي بارتكاب مجزرة كفر قاسم وقتلوا بدم بارد 49 شهيدا كانوا راجعين الى البلد من اماكن عملهم، ولم يعلموا بحظر التجول المفروض على القرية من قبل الحكم العسكري.
وفرض التعتيم وعدم النشر عن المجزرة ولكن عندما علم بها طوبي دخل هو ورفيقه ماير فلنر البلد من طرق وعرية واخترقوا الحصار وجمعوا الافادات واخبر طوبي الصحافي اوري افنيري الذي اصدر كراسا خاصا بذلك واعلم الجمهور الاسرائيلي كما اعلم طوبي ثلاثين من رؤساء دول العالم وفضح المجزرة من على منبر الكنيست.
يسود الاعتقاد انه لولا فضح مجزرة كفر قاسم لكان وربما ارتكبت عدة مجازر بحق عرب البلاد، كما ان كشف هذه المجزرة وبقاء اهل كفر قاسم في بلدهم وعدم تركهم البلد اقنع بن غوريون ان العرب باقون في البلاد مما جعله يخفف من وطأة الاحكام القاسية للحكم العسكري والذي في النهاية ابطل كما ذكرنا.
وقد تواصل القائد طوبي مع اهل كفر قاسم وكان يكتب لهم في كل ذكرى سنوية للمجزرة، وعندما  توفي قرر المجلس المحلي للبلد تسمية شارع رئيسي على اسم توفيق طوبي اكراما ووفاء له.
وفي سياق آخر وعندما قررت الحكومة مد خط انابيب مشروع المياه القطري كان بحاجة لحفر قنوات مفتوحة ولهذه الغاية صادرت الحكومة الفا ومئة دونم لقرى سخنين وعرابة، فأسرع طوبي لاثارة النقاش في الكنيست حول هذه المصادرة ولكنه لم يتمكن لان وزير الزراعة سبقه بالتحدث عن ذلك، فلذا سقط طلب طوبي لمناقشة الامر.
وعندما طالب طوبي بابطال الدوائر للشؤون العربية لدى مختلف المكاتب الوزارية، اثار ذلك غضب السيد ليفي اشكول رئيس الحكومة آنذاك، فقال عن طوبي "رجل المشاكل". وفي نظر كل عاقل بان من يدافع عن حقوق شعبه هو ليس برجل المشاكل وانما برجل المحامل فلذا اقوال اشكول المذكورة تعتبر وسام شرف لطوبي وليس غير ذلك.
في سنة 1960 حذر وانتقد طوبي من على منبر الكنيست من الغبن والاجحاف الواقع بحق الفلاحين العرب حيث خصصت الحكومة لهم في ميزانية 1960/1961 لتطوير الزراعة ما نسبته 0,4% من مُجمل الميزانية بينما هم يكوّنون 17% من عدد سكان الدولة.
في المؤتمر الرابع عشر للحزب الشيوعي قال طوبي ان معاناة العرب تنبع اساسا من سياسة الحكومة بمصادرة اراضيهم، وفي تاريخ 6-10-63 عزم طوبي مع اميل حبيبي على تنظيم مظاهرات ضد مصادرة الاراضي في كل القرى العربية وضد تهويد الجليل على حساب سكانه الاصليين ولكن الحكم العسكري منعهم من ذلك، وهذا المنع لم يفتَّ في ساعد طوبي ففي تاريخ 20-10-63 اقام الحزب الشيوعي بقيادة طوبي مهرجانا قطريا في مدينة الناصرة ضد تهويد الجليل ولكن الحكومة استمرت في سياستها واقامت مدينة كرميئيل وغيرها على الاراضي العربية التي صادرتها لهذا الغرض.
وفي سياق آخر، عارض طوبي تركيبة لجنة تعيين القضاة الشرعيين والتي بهذه التركيبة تمكن السلطات من السيطرة التامة على تعيين القضاة لخدمة مصالحها، وقد ضرب توفيق طوبي مثالا على ذلك وهو ان القاضي طاهر حماد القاضي الشرعي آنذاك ليافا اُحضر للمحكمة ثلاث مرات بتهم ملفقة، وبرأته المحكمة في المحاكمات الثلاث، والتهم الكاذبة كانت بسبب رفض هذا القاضي الوطني من الانصياع لمطالب رجال الحكم العسكري. وللتذكير ذكرت الصحف قبل عدة سنوات عن قاض ٍ شرعي معين من قبل تلك اللجنة بانه انصاع لرجال الحكم العسكري والسلطات ببيع او نقل ملكية اراضي وقف اسلامي الى مديرية اراضي اسرائيل، وحتى لا نظلم احدا نقول والله اعلم في صحة ذاك الخبر لاني لم اتقصَّ مدى صحة هذه المعلومة وانما تذكرتها من خلال النشر في الصحف.
لم يكتف طوبي بالقول وانما بالافعال حيث نظم هو وحزبه، في شهر حزيران سنة 1961 لجنة اسلامية في عكا مكونة من 73 عضوا للدفاع عن القضايا الاسلامية لتكون مضادة للجنة اليهودية الاسلامية التي اقامتها السلطات قبل ذلك.
كما ساهم طوبي في اقامة جبهة السلام والمساواة واشترك ونظم هو وقيادة حزبه المظاهرات والاحتجاجات والاضراب يوم الارض سنة 1976 ضد مصادرة اراضي المل وباقامة لجنة الدفاع عن الاراضي وبعدها لجنة المتابعة العربية العليا.
القائد توفيق طوبي فرض شخصيته واحترامه على الجميع حتى على خصومه السياسيين مما جعل الكنيست تخصص جلسة لذكراه والوقوف دقيقة صمت على روحه اجلالا وتقديرا.
فنعم هذا القائد الاسطوري ونعم مسيرته النضالية المخلصة لشعبه وللطبقة العاملة والانسانية والعدالة الاجتماعية.

 

(ام الفحم)

الجمعة 29/4/2011


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع