توفيق طوبي - خالد مدى الدهر ..


سامي غطاس


* اهتدى الى الشيوعية، منذ نعومة اظفاره . واستطاع في ذاك الوقت وذاك الجيل ان   يستوعب ما لا يمكن استيعابه ، ولا بالمستطاع فهمه ، معناه العبقرية .
* ان تكون شيوعيا.. مناضلا.. مكافحا ..معطاء.. نبراسا وقائدا . معناه الخلود.

 

* الشيوعي


ليس من السهل ان تكون شيوعيا، لأنه مفروض عليك، النضال والكفاح، والمقاومة المبدئية. يتوجها العطاء اللا محدود . أن تكون شيوعيا اليوم، أمر يمكن فهمه خاصة وان هناك وسائل اتصال وإعلام منتشرة، الى جانب استغلال الجانب المحدود لحرية التعبير ،وحرية تشكيل الاحزاب. ومع هذا هناك حر ب شعواء تقوم ضدك. حرب مكشوفة ، والأخطر حرب مستورة مغلّفة بكل انواع الاغلفة . فما بالك بالوقت الذي لم يعرف فيه العالم ماهي الشيوعية الا افراد تسرّبت لهم هذه الافكار والمعلومات بالقطارة. هذا الأمر، الذي يشكل علما كاملا متكاملا، اخلاقيا وسياسيا واجتماعيا ،محليا وعالميا ، هذا العلم الذي تسرّب الى توفيق طوبي وزملائه ، عبر رفيق خوري وعبدالله البندك، وانتشرت فيما بعد الى اوساط اوسع واوسع داعين للخلاص من الاستعمار والاستبداد. والتخلّص من الاستعباد والاستغلال ودعوة للتحرر والاستقلال وحق تقرير المصير. دعوة لبناء عالم جديد ، فيه مجتمع خال من الاستغلال  والعبودية ، ومبنى على أساس حرية الشعوب واستقلالهم يسوده المساواة والتآخي ، وتعمه السعاده والرخاء ، لا فرق في لون وجنس ودين .
في ظروف التعتيم الكامل والظلام الدامس تفتحت عيون توفيق طوبي على هذا الحلم. فهذا وحده يكفي للدلالة على عبقرية وخلود هذا الانسان ، وتفرده .من أجل تحقيق هذا الحلم بدأت الفكرة تتسرب الى زملائه ، اميل حبيبي، اميل توما، حنا نقارة، صليبا خميس، سليم القاسم، جمال موسى، يحيى ابو عيشة والقائمة طويلة من الشيوعيين الاوائل الذين حملوا صليبهم في مدننا وقرانا ومشوا ، يشقون الطريق ليخدموا الناس.

 

* محطات نضالية

للسير في هذا الطريق ،يجب أن تكون على استعداد لتقديم التضحيات.
فلهذا قاوم توفيق طوبي ،منذ نعومه أظفاره ألظلم والظالمين .فعندما عمل مع زملائه من اجل فضح المؤامرة الاستعمارية ، في السيطرة على فلسطين،لتسهيل الهجرة اليهودية للبلاد والاستيلاء على ألارض بكل الطرق والوسائل. بمساعدة المندوب السامي البريطاني وسكوت الرجعية العربية. مستغلين جهالة الشعب الفلسطيني. هذه المؤامرات التي قام بها الثالوث الدنس ( الاستعمار البريطاني وحلفاؤه. الحركة الصهونية العالمية ،والرجعية العربية ،المهيمنة في ذلك الوقت) الذين عملوا كل الوقت على اخفاء حقيقة المؤامرة  المبيّتة ، من أجل سلب الشعب الفلسطيني ارضه ووطنه ، وتوسيع الاستيطان اليهودي. فعلى الرغم من مواجهة المصاعب، والقمع، والتهميش،  الا انه  صمد مع رفاقه .ودعوا بكل قوة وحزم الى رحيل الانتداب البريطاني ،العدو الاول والوحيد لشعبي هذه البلاد. ومن ثم رحيل الرجعية العربية، لتكون فلسطين دولة مستقلة ديمقراطية . اتّسعت المؤامرة ، على الشعب الفلسطيني  ووصمت الرجعية العربية هؤلاء المناضلين بالخيانة،  وعملت على تهميشهم ، وساعد الانتداب البريطاني في توسيع شقة الخلاف ، بين اليهود والعرب وساهم باثارة الاحتراب ،وتسليح الطرفين ،وتوسيع رقعة الاقتتال وتعميق الهوّة بين الشعبين ،ومنع اي محاولة تقريب او تسوية .فأصبح شعار طرد الاستعمار واقامة دولة مستقلة بعيدا . وبهذا جر الاستعمار والرجعية العربية والحركة الصهيونية البلاد ،الى المزيد من الاحتراب وسفك الدماء ، ولم يعد امام الشعبين  من حلول ، الا الاستمرار في الاحتراب والاحتكام للغة السلاح ، التي لا تتقن الا الدمار والاستجداء لبقاء الانتداب البريطاني.
عرف توفيق طوبي ورفاقه ان المعركة غير عادلة ، وان الاحتراب العنصري مؤامرة استعمارية تدعمها الحركة الصهيونية والرجعية العربية، والخاسر فيها، لامحالة الشعب العربي واليهودي ولم يعد امام العرب الا القبول بقرار التقسيم الجائر الظالم. الا ان هذا الظلم يضمن للشعب الفلسطيني جزءا من وطنه ولا يخسر الوطن كله. لان رؤية طوبي ورفاقه الثاقبة ،رأت ما يمكن  أن تؤدي له سياسة الحرب العنصرية غير المتكافئة. وان الشعب الفلسطيني سيكون في هذا المعركة، وحيدا معزولا واعزل . والقوه المقابلة هي المهيمنة المدعومة ، واصرّ توفيق طوبي ورفاقه على مبدأ التقسيم الجائر ، وواجهوا عقوبة الأعدام الموجهة ضدهم من الطغمة الحاكمة ،الخاضعة للتآمر الاستعماري الرجعي. هذا الموقف الذي قال عنه قادة منظمة التحرير الفلسطينية بعد فوات الاوان .(لو وافقنا مع هؤلاء الشباب لوفّرنا سنوات ضياع طويلة وسفك دماء كثيرة)
بعد قيام دولة اسرائيل ، اصبحت مهمة توفيق طوبي ورفاقه ، اكثر تعقيدا وأكثر خطرا ، حيث عليهم مواجهة سياسة القمع والاضطهاد ، سياسة انتهاج اساليب استيطانية بغطاء قانوني وديمقراطي . واجه توفيق طوبي هذه السياسة الخبيثة ، بكل حزم وقوة ودون تردد .وتحدى الصعاب والمخاطر وهو ينتقل من بلدة الى اخرى ، ليكشف عمق المؤامرة وحقيقة هذا النظام، واهمّها مجزرة  كفر قاسم. بالاضافة الى واجبهم بتوعية الجماهير محليا ، وتنبيه الاسرة الدولية لما هو مبيّت لهذه المنطقة عامة ، وللشعب العربي الفلسطيني خاصة . لذلك رأت الرجعية العربية فيه خطرا على مصالحها.
وكذلك الرجعية  اليهودية ، فعملوا على التخلص منه ومن زملائه ، ورفاق دربه ، فتعاون جهاز المخابرات السلطوي (ش.ب) مع الرجعية العربية المحلية في المدن والقرى، لمنع توفيق طوبي وزملائه من الوصول اليها ، لأن وجودهم بين الناس يشكل خطرا على مخططاتهم ، فعملوا على محاربة الشيوعيين . واستخدام كل الوسائل المشروعهة وغير المشروعة لمحاربتهم وتأكيدا لهذا الامر، فقد كنت في قرية المغار في أواخرالسبعينيات لاحياء ذكرى النكبة. ومع الحاضرين كان شيخ ، عرفت انه صاحب الدار التي نجتمع فيها ،قاطعني قائلا .. اريد ان اقص عليكم ما حدث ... في السنين الاولى للنكبة ، قام الشيوعيون بجولة على المدن والقرى لمنع هجرة اهلها ، وتوضيح ما جرى . وعرفنا ان توفيق طوبي سيأتي الى المغار. لذلك طلب منهم القيّمون في القرية منعه من الدخول الى القرية وحرضوا الناس عليه. اضاف الشيخ قائلا ، بينما نحن في مدخل القرية لمنع دخول توفيق طوبي، وصلت السيارة وتوجه اثنان نحونا. وعندما تلقينا الاشارة لمنعهما من الاستمرار في السير. صاح احد  الموجودين ، اتركوهم هذا المحامي حنا نقارة الذي يدافع عن اراضينا. وبذلك اتم توفيق طوبي وحنا نقارة دربهما الى القرية ، ونجح الاجتماع واللقاء معهم . استمرت محاولات السلطه التضييق على توفيق طوبي ورفاقه ، الا ان قوة الصبر والاحتمال ، قوة الصمود والتحدي ، لازمته على طول طريق العمل والكفاح.
عندما تكررت اللقاءات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لتقريب وجهات النظر من اجل الحل العادل والثابت وانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. قرر الكنيست الاسرائيلي منع مثل هذه اللقاءات ، ومحاكمة كل من يلتقي مع افراد او قيادة مظمة التحرير الفلسطينيه . لذلك تحدى توفيق طوبي بكل جرأة هذا الامر، مع رفيق دربه خالد الذكر،ماير فلنر ، قررا التقاء قيادة منظمة التحرير علنا. وبالفعل تمّ اللقاء ، وعندما عادا الى البلاد، كانت الشرطه مزودة بأمر القاء القبض عليهما. ولما تفاجأت السلطة باصرار وصمود الرفيقين ، وخوفا من الفضيحة، والهبّة الشعبية، اكتفت السلطة باحتجازهما ساعات للتحقيق واطلاق سراحهما.

 

* سر الخلود

توفيق طوبي مناضل عنيد صامد، خشنا في التعامل مع اعداء الشعوب ، صارم في مقارعتهم ، ولكنه في نفس الوقت دمث الاخلاق انسان الى أبعد حدود الانسانية مع الجميع ، جاهدا في سبيل اقناع مجادليه ومستمعيه ، لانه عرف الحقيقة وارادها ان تصل متناول يد الجميع ، لذلك كان يجلس ليسمع الى تقارير رفاقه ، والى رواياتهم واحاديثهم. يدرسها ويناقشها ويرد عليها، ففي اكثرية لقاءات الحزب الشيوعي وكل مؤتمراته ، كان يجلس الساعات الطوال وبيده القلم وامامه الورق، يسجل كل نقاش وكل ملاحظة وكل حديث ، يستمع باصغاء و جلد وصبر لكل المتناقشين ، لا يغادر مقعده الا في حالات الضرورة ، فكان يملك قدرة لا تضاهى في الاستماع ، يملك قدرة جسدية خارقة في الجلوس دون  كل او ملل. كان يملك قدرة تفوق كل القدرات في النقاش والمجادلة والمحاججة في سبيل الاقناع لا فرض الرأي، فأصبح مدرسة في بناء الحياة الحزبية ، والسياسية ، والاجتماعية .العدو اللدود الذي لا يقاوم ،شبح الموت وقف توفيق طوبي ، في وجهه وصمد في مقاومته ،ومقارعته،  سنوات طوالا ، كي يتم دربه الكفاحية ، واكمال وصيته ، حتى آخر لحظة من حياته ، لأنه الرجل الرجل ، الشجاع الشجاع ، الصامد الخالد في ذاكرة الشعوب في ذاكرة الزمن في ذاكرة الخلود.

 


(يافة الناصرة)

الثلاثاء 5/4/2011


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع