في حفل افتتاح ألبومها الجديد "بغنّي"
أمل مرقس تنفخ في رماد الكرمل الجريح


رفيق بكري


صدق الكاتب الرفيق عودة بشارات، عندما كتب وقال إن أمل مرقس، في كل جديد تتحفنا من جديد. كان لي الشرف الكبير أنني حظيت بحضور الأمسية الاحتفالية لألبومها الجديد "بغنّي" في قاعة "كريغر" الكرملية التي غصّت بالجمهور، في أعالي الكرمل الجريح، نفخت أمل مرقس في رماده، فأعادت إليه الحياة. أمضيتُ وأمضى الجمهور على مدار أكثر من ساعة ونصف لحظات تأمّل وانبهار في آخر روائعها الغنائية الموسيقية الملتزمة بقضايا المقهورين والمظلومين، ضد الظلم والقهر والاستبداد.
من أغنية إلى أخرى ومن لحن إلى آخر، عشتُ وعشنا أجمل اللحظات الدافئة أحيانًا بدفء إنسانيّ يشعل فتيل الثورات، وأحيانًا أخرى لطيفة وهادئة، ترفض نزيف الدم وصفارات الإنذار. تذوّقنا صوت الفنانة الرائعة أمل مرقس العذب، وهو ينساب كالنسيم العليل إلى الأنفس، فأبت كلمات أغانيها لنخبة من الشعراء وكتاب كلمات الأغاني، مخضبة بأجمل الألحان الموسيقية، إلا أن توقظ مشاعر الحضور وتحلّق بها وبهم إلى عواصم الظلم والقهر تارةً، وإلى أزقّة الفقر تارةً أخرى، ثم يصدح صوتها عاليًا، فيه غضب وثورة وأمل.
استهلت أمل مرقس أولى أغنياتها، "كم البعيد بعيد؟"، من كلمات الشاعر الكبير محمود درويش، ألحان نسيم دكور وتوزيع مهران مرعب، فأبحرت مرقس بكلمات الأغنية لتقول "كم هي السبلُ... نمشي... ونمشي إلى المعنى.. ولا نصلُ". ومن درويش تصل مرقس إلى الشاعر توفيق زياد لتغنّي قصيدته المقاتلة "إزرعوني" ألحان نسيم دكور، وفي هذه الأغنية تنتفض مشاعر وأحاسيس ملكة الحفل بصوتها العذب، لينحدر إلى أعماق الضمير ويأسر القلوب حين تقول "إزرعوني زنبقًا أحمر... في الصدر وفي كل المداخل... واحضنوني مرجة خضراء... تبكي وتغنّي وتقاتل". ثم تنادي الأحرار بأعلى صوتها " فتعالوا... وتعالوا... بالأيادي... والمعاول... نهدم الظلم... ونبني غدنا... حُرًا... وعادل".
في خضمّ آذار المناسبات، من يوم المرأة إلى عيد الأم حتى يوم الأرض، لم تنس أمل مرقس حاضنها وحارسها وملهمها، والدها المعلم والقائد الشيوعي نمر مرقس، فالتقى حسّ الشاعر الشاب مروان مخول بشعره مع صوت الإبنة أمل بالقصيدة المغنّاة بعنوان "أبّايْ"، ألحان سمير مخول، لتضع من خلالها لمسات دافئة على نسيج إنساني ثوري راقٍ، يجمع بين ملح الأرض وطيور الحرية المعشِّشة على أغصان زيتونة زرعها الوالد بيديه، فتسبح أمل بعواطفها الجيّاشة المعبِّرة وتغنّي " أبّايْ أبّاي أبّايْ... يكفيني كلّما أبكي... على كتفيك يغويني الدّفا... صوتي أنا، لا شيء... غير المتغنّى للذي... وهب الطيور صداحها... أبّاي".
ثم تعود أمل إلى نفسها لتطلق العنان لما اكتنزت بها شخصيتها من ثقافات ترفض سفك الدم والحروب، محبّة للسلام وحقّ الشعوب بالتحرر، ثقافات نشأت وترعرعت عليها الأجيال المتعاقبة، كان روّادها رباعية الإميلين توما وحبيبي والتوفيقين زياد وطوبي، وقد تصادف الحفل بوداع آخر الرباعية الحمراء، الرفيق القائد توفيق طوبي. من عمق هؤلاء العمالقة إنطلق صوت أمل، بكلمات شاعرنا توفيق زياد في قصيدة "أكره سفك الدم" ألحان أمل مرقس ونزار زريق، فتغنيها أمل بكل جوارحها وتقول "أكره سفك الدم، وصفارات الإنذار... أكره هذا اللون الأزرق... في ضوء السيارات". وتنهي أمل الأغنية وسط التصفيق الحارّ والهتافات المطالبة بإعادة الأغنية مرّة ثانية وتقول "أكره كل حروب الدنيا... إلا حربًا واحدة، أعطيها: روح الروح وقلب القلب... وأعطيها: صوتي ودمي وكياني... حربًا واحدة... هي... حرب التحرير".
 وسط ظلمة العالم ومن بين أنياب العالم الإمبريالي والبطش بمقدّرات الشعوب، لم تبد أمل أية علامة لليأس والكلل، أو انعدام الأمل، فكان بريق الحرية الثوريّ يشعّ في معظم أغنياتها، فغنّت من كلمات محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" من إعدادها وألحان فيوليت بارا، حيث ترجمت البيتين الأولين لأغنية "غراسياس ألفيدا" بمعنى "شكرًا للحياة".
بعد حبها للحياة، غنّت أمل للحب لتزرع بذور الأمل من أجل الحياة. من كلمات مرزوق حلبي، ألحان نسيم دكور وتوزيع مهران مرعب، غنّت "أنا رايحة" أنا رايحة... ع مطارح بعيدة... وعارفة... إنه منّك سعيد... بس أنا رايحة"، تلتها أغنية "دُقّ" دُقّ... ضلّك... دُقّ... باب الهوى مسكّر... من شي سنة... وأكثر"، ثم واصلت أمل أداء أغنيات ألبومها فمرّ الوقت وانقضت ساعة ونصف بسرعة البرق، حتى خِلْتُ أسأل نفسي دون الانتباه لعقارب الساعة، لماذا يا ترى تنهي أمل حفلتها بهذه السرعة!!.
كنت قد التقيت بأمل مرقس مرارًا، وأبديت لها إعجابي بصوتها وبفنّها، وقلت لها، أنها فنانة مميزّة، تغني من روحها من عمقها ولذلك فإن ما تغنيه وما تؤدّيه يصل إلى عمق المتلقّي ويترك بصمات تأمّلية ثورية. وها هي أمل، تنهي حفل ألبومها الجديد بأغنية "بغنّي" كلمات وألحان وتوزيع مهران مرعب، وتمنح ألبومها شرف تسميته بنفس أسم الأغنية "بغنّي"، وتستهل مطلع الأغنية بالكلمات"من روحي بغنّي... لأرضي اللي مني... من روحي فنّي... لأرض التمني".
 أما أنا فأقول: مبروك لأمل ألبومها الجديد "بغنّي"، تستحقّين، نستحق الحياة، واصلي الغناء يا أمل لتواصلي زراعة الأمل.

الأربعاء 23/3/2011


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع