توفيق طوبي المعلم والبوصلة


محمد بركة


تفتحت عيوني في جيل الحداثة، فتى صغيرا، لعائلة مهجّرة لاجئة في وطنها، ما تزال تتلمس طريق الاستقرار في الوطن، غائبة عن ديارها وأراضيها، لاجئة بقربها، محرومة من العودة لها، وهذا ما دفعني إلى غمار السياسة  في صفوف الشبيبة الشيوعية، في نهاية سنوات الستين من القرن الماضي.
في تلك السنوات كانت امامنا الشخصيات القيادية في الحزب الشيوعي، التي تحمل رأس حربة النضال، تشق طريق الصعاب، وتبعث فينا الروح الوطنية الكفاحية العنيدة التي لا تهادن ولا تلين، وكان في الصف الاول رفيقنا خالد الذكر توفيق طوبي، ومعه رفاقنا ماير فلنر وإميل حبيبي وتوفيق زياد وسليم القاسم وجمال موسى والقائمة تطول بأسماء يسجلها التاريخ الكفاحي لجماهير شعبنا بأحرف من نور.
ومع انتقالي إلى الجامعة، ونشاطي في اطار الحركة الطلابية المكافحة، بت اعرف عن قرب أكبر رفيقنا المعلم توفيق طوبي، الذي عرف كيف يضخ  في دمائنا الروح الوطنية الثائرة، وفي نفس الوقت التأني والمسؤولية في طرح الموقف ذي الرؤية الثاقبة والاستراتيجية بعيدة المدى، واحيانا كانت حماستنا الشبابية الهائجة بطبيعتها، في سنوات السبعين، لا تستوعب الموقف الرصين، ولكن ما كانت تمر فترة قصيرة إلا ويتضح لنا صحة الموقف والتحليل، فكان رفيقنا القائد معلما لنا في قراءة المستقبل.
وزاد قربي من رفيقي ومعلمي توفيق طوبي مع انتقالي للعمل في صفوف الحزب أو مندوبا عنه في الهيئات المختلفة من لجنة الدفاع عن الاراضي ولجنة المتابعة والجبهة الديمقراطية، وكان لحضور ابو الياس وقع كبير في كل هذه الدوائر، التي قادت نضال جماهيرنا العربية والقوى الديمقراطية على مدار السنوات، فتوثقت العلاقة اكبر، وهكذا حصتي من فكره وخطابه.
ورافقني هذا حينما وصلت إلى أروقة الكنيست، فقد كان اسم توفيق طوبي حاضرا في كل اروقة الكنيست، وكانت أسس العمل البرلماني وضوابط العمل التي وضعها لكتلة الحزب الشيوعي ومن ثم الجبهة الديمقراطية، البوصلة التي توجهنا إلى يومنا هذا.
يا ايها الرفيق الطيب، رحيلك ليس عاديا، فأنت من أولئك الذين يبقون فينا، فردا فردا وجماعة، وهيئات وأطر، وتراثا ونهجا وفكرا، فلا يمكن أن نخط التاريخ واعتماد التجارب لتحديد خطى المستقبل، إلا وكانت تجربتك في مقدمة أبحاثنا ونقاشاتنا.
ستظل ماثلة في وجداني وفي وعيي محطات وتجارب ومواقف ونضالات مرتبطة بالرفيق الحبيب ابو الياس لتشكل مجتمعة مرجعا اعود اليه في الخطوب المدلهمات وفي المعادلات المستعصية.
عرفتك يا الرفيق الودود الدمث الطيب الذي أحب الناس كل الناس، كرّس حياته كل حياته لأجل المجتمع والانسانية، فأنت يا رفيقي من اولئك الذين قال عنهم الشاعر التقدمي الكبير ناظم حكمت: "إن لم أحترق أنا وتحترق أنت فمن سينير الظلام".

الأحد 13/3/2011


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع