لماذا الإضراب؟
أيمن عودة
ليس الإضراب ردَّ فعل مباشر وغريزي، وإنما ردّ فعل سياسي مدروس ومخطّط له لمواجهة مجمل سياسة التحريض والإقصاء ونزع الشرعية عن المواطنين العرب
ليس الإضراب الذي توصي به الجبهةُ لجنةَََ المتابعة هو ردّ فعلٍ على قوانين النكبة والنشيد الوطني وتغيير الأسماء العربية وخصخصة الأراضي وهدم البيوت وبناء المستوطنات في الجليل والمثلث وعلى التمييز ضد السلطات المحلية العربية وكل تطوّرات الشهرين الأخيرين وحسب. فكلّ ما ذُكر أعلاه هو رأس حربة السلطة في ترجمتها الفعلية والتفصيلية لمفهوم "يهودية الدولة". يخطّط للإضراب لكي يتوافق مع ذكرى أيّام القدس والأقصى (2000) المنفّذة بأيد حكومة "اليسار الصهيوني" مشكّلة ذروة وتدشين لمرحلة جديدة في مفهوم "الدولة اليهودية". فهي ليست "تعبيرًا عن حقّ تقرير المصير للشعب اليهودي" وحسب، وإنّما هي مقولة واضحّة بأن للعرب بعض الحقوق المشروطة بالولاء في الأرض، ولكن "لا حقوق لهم على الأرض"، جملة قالها بن غوريون وكرّرها شارون، ولها معانٍ واضحة تجّلت في الدورة البرلمانية الأخيرة وهي أن الأرض لليهود فقط لذا تُباع أملاك اللاجئين الفلسطينيين بالمزاد العلني بحسب القانون الجديد، والأسماء لليهود فقط لذا تصبح الناصرة نتسرات وعكا عكو والجش غوش حلاف، والرواية التاريخية المهيمنة والوحيدة هي الرواية الصهيونية لذا يُمنع إحياء ذكرى النكبة، ومعناها أن العرب مواطنون بدون حقوق في الشرعية والتأثير، مواطنون بدون مواطنة. الإضراب الذي توصي به الجبهة يأتي للاحتجاج على كلّ هذا التحريض والسياسية الرسمية المعادية للعرب خاصّة بسفورها في السنوات الأخيرة، وليس مجرّد الشهرين الأخيرين. ويأتي ردًا: على التحريض الذي امتطاه وغذّاه ليبرمان، الأسوء من هايدر، ليصل إلى خمسة عشر مقعدًا. وردًا على رئيس الحكومة الحالي القائل في مؤتمر هرتسليا: "إن الخطر الحقيقي على إسرائيل ليس الفلسطينيين في الضفّة والقطاع وإنما العرب هنا داخل إسرائيل." وردًا على مقولة زعيمة المعرضة: "أن المواطنين العرب يستطيعون ممارسة حقوقهم القومية في الدولة الفلسطينية فقط" وليس في وطنهم في الجليل والمثلث والنقب والساحل. وردًا على رئيس الشاباك الحالي الذي قال في لجنة الخارجية و"الأمن": "إن الشاباك سيتصدّي لكلّ من يسعى لتغيير طابع الدولة، حتى لو سعى إلى ذلك بالوسائل الديمقراطية". وردًا على تجاهل عريضة ربع مليون مواطن عربي تطالب بإقامة لجنة تحقيق حيادية (مجرّد إقامة لجنة تحقيق حيادية) في مقتل 13 مواطنًا عربيا على يد شرطةٍ وصفتها "لجنة أور" بأنّها "تُعامل العرب كأعداء وليس كمواطنين". ولم تكلّف الحكومة نفسها عناء مجرّد الردّ على ربع مليون صرخة- أكبر عريضة في تاريخ البلاد. ناهيك عن الأقزام الذين وصفونا بالأفاعي السامّة والعقارب والعرابيش، هؤلاء الأقزام هم أعمدة الحكومة الحالية. الإضراب ليس ردًا على هستيريا الشهريْن الأخيرين وحسب، وإنما ردٌ على مجمل السياسية الإسرائيلية التي أميط اللثام عن كلّ عوراتها في السنوات الأخيرة والتي تقول لنا جهارًا: الدولة ليست لكم، وأنتم غير مرغوب ببقائكم هنا. لا ترى الجبهة في مختلف القضايا المذكورة بمعزل عن جرائم الاحتلال ضدّ أهلنا في الضفّة والقطاع، في قتل الآلاف في حصار غزّة وتكثيف الاستيطان وبناء الجدار والمناطق العسكرية و"الخضراء" وفي التهويد الحثيث لمدينة القدس. ولا ترى ذلك بمعزل عن الهجوم على الهامش الديمقراطي وصعود الفاشية التي تشكّل خطرًا على المجتمع الإسرائيلي بأسره، ولا بمعزل عن الاستقطاب الطبقي الرهيب الذي دهور المجتمع الإسرائيلي من المجتمع الأكثر تساويًا طبقيًا في بداية السبعينيات (ما عدا العالم الإشتراكي) إلى الدولة رقم واحد في التمايز الطبقي بين سكّانها. هو إضراب القلق، وإضراب تحدّي التحريض والإقصاء ونزع الشرعية ومجمل السياسة الرسمية المعادية للعرب. الإضراب العام والشامل الذي تقترحه الجبهة يختلف عن مطالب الإضراب التي اعتدنا على اقتراحها أسبوعًا قبل الحدث، وإنّما توصية من جسم عريق له مصداقية العمل على تنفيذ القرار وليس اقتراحه وحسب، جسم يملك القدرة على التأثير على عشرات السلطات المحلية ومئات المؤسسات المحلية في قرانا ومدننا. وتأتي التوصية قبل شهرين من موعد الإضراب المقترح بهدف أن يكون الإضرابُ عامًا شاملا، وأقصد بإضراب شامل بمعنى ليس إضراب "الشارع الرئيسي في الناصرة ودكاكين قُرى البطوف"، وإنما إضراب كل الجماهير العربية من عمّال وموظفين في القطاع الخاص والعام، ويعني تعبئة الجماهير مدّة شهرين والوصول إلى كلّ إنسان، وإقامة الاجتماعات الشعبية والتنظيمية في فروع الأحزاب المحلية، وإقامة لجان محلية لإنجاح الإضراب ومشكّلة من كل الأحزاب، وانتهاز شهر رمضان وأماسيه الليلية والمساجد ومنابرها، ويعني تواجد الشباب الوطنيين عن مطلع الفجر في الأوّل من تشرين أوّل عند مخارج القرى والمدن العربيّة من أجل إقناع كلّ من لم يقتنع حتى ذلك التاريخ بضرورة الالتزام بقرار الإضراب العام والشامل للجماهير العربية. الإضراب ليس ضربة معنوية واقتصادية لـ8% من الاقتصاد الإسرائيلي كما يستطيع أن يؤثّر المواطنون العرب وحسب، الإضراب وعيٌ وتوعية لمختلف الشرائح، الإضراب مشاركة جماهيرية واحتجاجٌ جماعي، والإضراب مقولة وموقف ليس لممثلي الجماهير فقط وإنما للجماهير نفسها مباشرة. سيشارك في هذا الإضراب كلّ عامل وكلّ موظّف وكل رجل وامرأة وطفل وعجوز من أجل موقف هدّار، نحن أهل هذا الوطن، لا وطن لنا سواه، من حقّنا وواجبنا التأثير على القرار السياسي، كفلسطينيين وكمواطنين.
* سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الجمعة 14/8/2009 |