البروة المهجرة في أيار



هيا نبّل الخبز بالدمع العصيّ
جف الرغيف في مشكاة بيتِ الأهل
عند البروة المهجورة
الأحجار تحمي بعض قوتٍ
منذ ستين استحالة
منه خبزٌ قهوة مرَّت عليها
لمسة الأم الد موعة.

 

على هذا الحجر
كان الجدود استنعموا
ضوءا ينير الليلَ
والقلبَ المحبَّ الأرضِ
والقولِ الشديّْ
في سهرةٍ حاكوا بها
رحلات تلميذٍ لدرس الجامعة في أزهرٍ
او ابتياع الحصادة الأولى لأهل المزرعة
أو على فنجان شايٍ عرسَ البنين

 

في برهةٍ قام الجند الحاملون السيف
يغتالون أضواءَ القمرْ
والعزف في سيل المطرْ
والهمس بين الزهر في حلم الصبايا
يقضمون الغصن
من أشجار توت الحارة الملقاة
عند السهل قرب العين
في درب الإله المكِّي وبعضٍ من كنيسة

 

الجد أبقى قبل تشريد الأهالي
قطعة من خبزِ أمي
والقليلَ من قهوةٍ ذات المذاق المقدسيِّ المُرِّ
قرب ضوء الزيت في قنديل مشكاة الوطن
يُبقى سراجا يحتمي بالخبز والفنجانِ
 كَفُّ الإتتظار المُرْتَقَب للعودة المُسْتَيْقَنَة

 

أطفالنا إن لم نعد نحن التياهى
يُخْمِرُون النفس بالخبز الذي جداتهم
عَجَّنَّه القمح المُواسي قهوةً
من لمسة الأمَّ الحزينة

 

كانت جنودٌ تنتشي بالهدم في بيت العرب.
قصرٌ من الحب الذي آبائنا قالوه نصًا في حجارةٍ
يُلبسوه الجِلفُ موتا بالجنازير الحقودة

 

ها باب بيت الجدٍّ ينهار
العمود البابليِّ استصعب الجرح
الغبار المعتلي من حدِّ جدران الزمان
استصرخ الخيل الصواري والمطر.

******

عين ٌ على باب السماء الساكتة:
الخبز لا يكفي طعاما في الخيام الواجمة
جدِّي يباري الذئب في صيد البراري
والليالي لا تقيه البردَ
في ساحات ميلاد اللجوء العابسة.

 

 يرى ولدٌ أبابيل الطيور التي قصفت بسجيل الحجارة
وَهُم يترقبون الموت لابن المخيم عند لوحات الجدار
أنا هو من دعي جلمود صخر يحطه سيل نهر من علي
أو أنا هو من يلاقي إخوة تستسيغ قلوبهم طعم الخضوع

 

والطفل من صرخات جوعٍ حينها
قال "إقرأ"
إقرأ القَوْلَ الفَصْلَ :
في البدء كان الفلسطيني هو التاريخ في وقع الردى.
وفي أثر المدى مرساةَ آهاتِ المدينة

 
*****


ستون عاما كان راضي يحتمي
من نصه الشعري قرب المجزرة
والخبز في مشكاة جدٍ يُوخِزُهْ
فالجد في رَقْد ِ المنافي يَرْقُبُه
عين على حق الرجوع العودة
القلب المسجى لا يخونَهْ
والثرى لا يَمْنَعَهْ عن ملحمة.

 

فتعصرني الحجارة
بين قبلة طفلتي وابني
فأركض نحو قبر الجد
أنتزع القناع الخانق
الهمسات في جو الجدود
تناغم الموج الملاطم حد ذَوْقي
من تعب.

 

تتبارز الأشجار حول بكاء عيني
عندما تتدارك الريح
استواء طريق سيري والشجر.
فتباشر العزف الرخيم...
 تزيل عني غربتي.
تستهلك الأشواك بين الحجارة فيَّ
جمر القلب في ثانية
نجري على مهلٍ تجاه البيوت الساكنة في قريةٍ نائمة
لون الطحالب ترسم الرجم منذ الصرخة الكبرى
وفي حضنها تغفو الحجارةْ
بئر ماءٍ ينامُ
العنكبوت اعتاد إغلاق بابه
منذ ستين اختبارٍ
زهور العبهر الصفراء
تحمي قبور الأهل في تفاني

 

يعتري قلب بنتٍ من قرىً تعتاد
ترتيل لحن العودة الفوضى
كمن يمنع الشريانُ
عن قلبهْ وصول الدماء.

 

الوالد الباقي على حقه المولود
لا يغفو قليلا
يحاربْ مثلما تشتاقُه المعركةْ
في انتفاضة
والسنينُ الحكيمة
لا يُعِيقُه في فَكِّ السِحْرِ
عن قلب تعاطته الطحالب
على سندان بيت الجد
في بروة مهجورةٍ
رئتاي عند اللمحةِ المتداركةْ بئرا
يخيط على حكايا عرس والدتي
ببابٍ من زرد
تجد المكان المتسعْ
لهواء نصف الكون
بين ضلوع صدري.
قلبي كمن ناداه ثغر الإمرأة
للقبلة الأولى يدق البوتقة
في امتحان الروح قبل المعركة.
شراييني تعيد الدورة الهوجاء
في سيلٍ يجاري البرق والرعد الشديد
فأعدو سيف صحراءٍ
يباري كل من يصبو
لجعل العودة الحق الذي لا يُهْزَمُ.

 

نعلو دروب الشمس
في سهلٍ يبارينا
على رشف الرياح المُوصِلَةْ
للبروة النعسى .
ومشكاة الأسى
كقلب الأم تحمي
خبزةَ الجدِّ الثريدة
قهوةَ القدس الزكيةَّ
والزيتَ
في قنديل بيت الضيعةِ النائمة.

 

هل لنا يا أحمدُ المكتوبُ في صمت الصدى
أن نلتقي في خبز جدٍ تحت أنقاض القمر
ستون عاما عادلٌ كان الثريدَ الملحمة
هيا بنا مشكاتنا تحمى بقلبٍ خبزنا
فلنبحث البيتَ الطريدَ
الضوءُ فيه البوصلة.
فلتكتفي ستون عاما
غاب قنديل الروايات الفاتنة
عن سرد أهواء القبيلة
في كل حيٍّ عند نصف الألف
من أسماء لون المجزرة
مشكاةُ جدٍ تنتظر
طفلا يعيد المزولة.
تضحي تغني باكية تمسي تناجي قبَّرَة
والعين تسري في خطى صوب السهول الواسعة
تَهوى جموعاً أن ترى تَجري بدرب القافلة نحو القرى
والصوت يُعلي جوقةً ما قاله الطفل الفراشة :"

 

أحنُّ إلى خبزِ أمّي
وقهوةِ أمّي
ولمسةِ أمّي
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدرِ يومِ"

 

هنا في ظلّ أشباح ٍ من الأصوات
تعلو من وراء الحائط الأعمى
يواسي أبرَهَام
"الذي يشرب الشاي في كوخنا" بنتا
ولا يشتم كالأغشى لهيب النار
في رقصٍ مجارٍ دقَّةَ القلبِ الطافحة
في البرهة الهوجاء
حين العين سهما أرسلت
للوح في مدرسةٍ
-كانت سماءاً أبهجت -
وأوحت للفراش الحَبْكَ
في حرفٍ يواسي آخرا:
"للحروف البيضاء
على اللوح الأسود
مهابة فجرٍ ريفي"

 

على صوت الرياح الهائجة
من نكبة في بروةٍ
ينهار برواز المدى
تلغي القبيلة حينها
أفراح عرسٍ للقلوب الراقصة
أشجار ليمون القبيلة
توت أرض القابلة
تينُ وزيتونُ وطور الخبز
بئر الماشية
أنقاضُ بيت الجد
رجمٌ من حجارة منذ ستين انتكاسة
بيت جار يقتفي ظَلّ البيوت النائمة
فوق التلال الواجمة

 

كالريح تهتاجُ القلوب الخافقة
مشكاة جدٍ في مدى الأيدي وعين الطفلة الصغرى
ها خبز جدٍ تحت رجم البيت في ظل القمر.
ها كيس بُنٍ قهوة الأم الشهية
قرب قنديل الزمان المشعل

 

فلننحني إجلال دمعٍ ينهمر
من أحمد الباكي بيوت الإخوة الثكلى
وراضي موت جدٍ في منافي النكبة
الحادي جليلٍ عادلٌ
يبكي ثريدا قلب ذكرىً للشريد

 

هيا نبل الخبز بالدمع العصي
هيا نعد القهوة السمراء في دمع وفيٍِّ
ولنكتفي كل بطعمٍ من ثريد النكبة الأولى
ورشفٍ من فناجين السهر
بدمعٍ يعتجن بالضوء
من مشكاة جدٍ في قرىً مستوحشة.

 

ولنوعد القلب الجريح الحالم
ما يستقي من ظلنا في روحنا :
كل بروةٍ وحلم عودة عليها
كل بروة وقلب شعب طمرة عليها
وكابول الرجال الصامدة دامون لا تنسى
ميعار تبقى للزفاف العودة المثلى
وشعبُ الصامدة تولى رويسا
منتهى الحب الدئوب
العائد البيت المهجر
بين عين والبئار العاشقة
للإبن في مكر الجديدة

 

وابن يطوف البادية لا يعرف النوم العميق
البعد عن حدثا يغذي قلبه المقسوم بن الوردتين
الهول من أقسى أرق.
الشادي جليلٍ عادلُ
الهيجاءُ من خيلٍ
تحيكهْ سهم ريحٍ
يمتطي القلب المحاكي طفلة
في عودةٍ للبيت في حدثا الجليلية.

 

فلنوعد الروحَ الحزينة
ما يستقي من جمرنا في قلبنا :
ما من فلسطيني يجوب الأرض في منفى اللجوء المرِّ
إلا نستعيد البيت عند القرية المهجورة.


2008-05-09

خالد كساب محاميد
الجمعة 15/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع