سبع سنابل على تابوت درويش، في جنازته الرمزية على أرض البروة
فلسطين، بأبنائها وبناتها، تودّع شاعرها العاشق، محمود درويش



* وفد كبير من الكتاب والفنانين من الجليل والمثلث يشارك في مراسيم تشييع جثمان محمود درويش في رام الله *

رام الله- لمراسلنا- اصطف عشرات الآلاف من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني على جوانب شوارع مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، اليوم الاربعاء، للمشاركة في مراسم تشييع جثمان الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي توفي مساء السبت الماضي في الولايات المتحدة إثر مضاعفات نجمت جراحة في القلب.
ونقل نعش درويش بمروحية أردنية من العاصمة الأردنية عمان التي وصلها على متن طائرة إماراتية خاصة قادما من الولايات المتحدة، وحيث حضر المراسم الأمير علي بن نايف نيابة عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

 


وحُمل النعش الذي لُف بالعلم الفلسطيني بعد وصوله إلى رام الله ثمانية من قبل حرس الشرف الفلسطينيين بزيهم الرسمي، ونُقل إلى المقاطعة مقر السلطة الوطنية الفلسطينية.
ودفن درويش في ضريح قريب من قصر الثقافة في رام الله، حوالي أربعة كيلومترات بعيدا عن مقر المقاطعة، وحيث كان ظهور درويش الأخير في ندوة جماهيرية الشهر الماضي، ألقى خلالها قصيدته "لاعب النرد" والتي اعتبرها كثيرون بمثابة استشراف للموت وحديث عن التجربة.
ويقع القبر على تلة تطل على مدينة القدس.

 


وتدفق عشرات الآلاف من الفلسطينيين على رام الله للمشاركة في مراسم الجنازة الرسمية، الأكبر منذ جنازة الزعيم الفلسطيني الراحل خالد الذكر ياسر عرفات عام 2004.
كما تزينت شوارع رام الله بآلاف من صور درويش وعليها إحدى أجمل قصائده الأكثر انتشارًا "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

 


وجسد درويش بحياته الشعرية الحافلة تطورات القضية الفلسطينية في بعديها الإنساني والنضالي، واعتبره الكثير من النقاد آخر الشعراء الجماهيريين الكبار في العالم العربي.
وقبل أن يوارى الجثمان الثرى جاب موكبه الجنائزي شوارع وميادين رام الله الكبرى قبل أن يصل إلى قصر الثقافة، الواقع على تلة تطل على مدينة القدس.
وأفادت قناة الجزيرة الفضائية الإخبارية، أن قصر الثقافة، الذي دفن درويش إلى جانبه، والذي أحيا فيه أمسيته الشعرية الأخيرة، سيحمل اسم محمود درويش تكريما لذكراه، كما أن بلدية أريحا بالضفة الغربية قررت إطلاق اسم محمود درويش على أحد شوارعها.

 

 


وجرت، ظهر اليوم الأربعاء، قبل مراسم التشييع الشعبي، مراسم تأبين رسمية لشاعر فلسطين الكبير محمود درويش في مقر المقاطعة في مدينة رام الله، بمشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكبار المسؤولين في السلطة الوطنية، وأصدقاء الراحل وأحبته.
وقال عباس في تأبين درويش: "ليكن رحيله مدخلا لتجنيد كل طاقات المبدعين أفرادا وهيئات، بكل المستويات الأهلية والرسمية، ليس فقط لسد المنافذ أمام فراغٍ كبيرٍ نشأ برحيله، وإنما بالارتكاز إلى تراثه ومدرسته وإبداعه العظيم، ليكون موته الموجع إِحياءً تجديديا لجبهة الثقافة، وإغناءً للمشهد الثقافي تأصيلا وحضورا وفعالية في قرار الوطن ومصيره وفي صورة الوطن وهويته، بل في عمقنا العربي والإسلامي ملاذنا وجوهرِ انتمائنا وتفاعلنا، مصيرنا ومستقبلنا ومشاركنا في صياغة الوجدان الإنساني".
وقال مخاطبا روح الشاعر الراحل: "كنت التحول وكنت التطور فأصبحت الرمز، كنت جميعنا والقاسم المشترك، في كل الحصارات، لم تدخل بيوت أبي سفيان، كنت ابن ثابت لأنك كنت من البداية حتى النهاية. عاديت مسيلمة، ولم تتردد لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
وتابع: "ستظل معنا يا محمود لأنك تركت لنا ما يجعلنا نقول لك إلى اللقاء وليس الوداع، لأنك أنت العشق والعاشق لنا، وأنت المعشوق فينا. لك الشموع تضاء لأنك كنت الشمعدان فينا، لك دموع الوفاء، كيف لا؟ وفي كل مدينة وقرية ومخيم لك اسم... الشوارع والمدارس ومراكز الثقافة وشهادات الميلاد، لك ملصقات الحائط، العلَم، التقدم، فرقة الإنشاد، ومرسوم الحِداد".

 


من جانبه، قال الشاعر سميح القاسم في كلمة له خلال مراسم التوديع، إنه كان لجثمان درويش أن يطلب الراحة الأبدية في مقبرة البروة الجليلة، لكن المستوطنين يصرون على تحويل مقبرة أجداده إلى حظيرة لمواشيهم. إنهم ينتقمون لأسلحتهم عن مواجهة قصيدتك، لكل البشر لكل الشعوب تحت رايات الحرية والسلام والإبداع.
وأضاف: "ولأنك مسكون بالحنين إلى خبز أمك وقهوة أمك، فإنهم مسكونون بهاجس العبثية والزوال، ولأنك مفعم بحب شجرة الخروب التي على الطريق بين البروة وعكا، فإنهم ملغمون بالكراهية وشهوة التدمير والتدمير الذاتي، لأنهم لا يحبون الحياة والسلام بقدر ما تحب أشجار الخروب والسنديان في وطنك".
وقال: "إن البروة ورام الله والقدس ونابلس إنما تشكل أطرافا متكاملة في معادلة الوطن الواحد، أما بشأن الدولة فالأيام دول، والدول دول، ولا يبقى إلى وجه ربك. لنا أن نعتز بالانتماء إلى شعب لا يتقاسم أرغفة الحصار فحسب، بل يتقاسم قبور الشهداء والشعراء، ديليلا على أنه شعب حضارة، لم يكن في حضارته وقصيدته ومقاومته شعب إرهاب كما يدعي شهود الزور والإرهاب من هواة العنصرية والعدوان".

 


وأضاف مخاطبا روح رفيق دربه الراحل درويش: "يا أخًا لم تلده أمي لك أن تتجاذب أطراف الحديث مع رائد مسيرة الحرية الشهيد ياسر عرفات وتتبادل وجهات النظر مع رفاق درب أبو عمار، لكن صديقا ورفيقا طيبا كان يتمنى اختراق الحالة السريالية الراهنة، لمشاطرتك الحلم والأمل المشترك، إنه شهيد غربة وابن غزة معين بسيسو، يا شهيد غربة وابن البروة محمود درويش. لا يستطيع معين، بسبب ما هو قائم هناك، عبور خط النار العبثية إلى رام الله، مثلنا لا تستطيع انت عبور خط النار العبثية إلى غزة، القدس قريبة بعيدة، وغزة".
وتابع: "وإذا كانت غزة بفعل هؤلاء غير قادرة على الحلول في رام الله، ورام الله غير قادرة على التجسد في غزة، فمن أين لنا يا محمود أن تتجلى فلسطيني في فلسطين؟".
وقال القاسم: "ليس على الشعب الواحد أن يعيش بفكر واحد وأن يموت بنهج واحد، إن لم نكن شعبا واحدا، هل عدنا إلى الجاهلية؟ هل مسخنا قبائل تتخلى عن قيمها؟ سامحنا على ضعفنا. سوف تتشبث حتى الموت باليقين بأن شعبنا العربي قدم المنسوب الأعلى من دماء الشهداء، وهذا الشعب الصغير الكبير المدهش بقوة حياته وحيويته، يتقن فن إدارة المفاوضات، ويتقن فن إدارة الانتفاضات أيضا".

 


أما أحمد درويش شقيق الشاعر الراحل، فقال: "ها قد عاد إلى ثراكم، عاد أخوكم وصديقكم وزميلكم ورفيق دربكم إلى هذا المكان الرمز، عاد إليكم لغة وفكرا ونهجا وترابا، ومن أحق منكم وفاءً لهذه الأمانة، ومن أحق من هذا المكان القريب من القدس، وجار مثوى القائد الرمز المرحوم ياسر عرفات".

 


وأضاف: "تحياتي إلى القيادات، ممثلي الحركات السياسية والفكرية والثقافية، للعمال للفلاحين للطلبة، للمعلم الأول الجماهير الفلسطينية والعربية، التي عبرت عن حزنها وحبها لمحمود، فخرجت بكل أطيافها وشرائحها وانتماءاتها بمبادرات عفوية من مسيرات وإضاءة الشموع ورفع الأعلام الفلسطينية والسوداء وصور الفقيد والمهرجانات، إضافة إلى طوفان الوافدين يوميا لتقديم العزاء".
وقال: "آن لهذه الجماهير أن تحقق أمنياتها بإقامة الدولة وعاصمتها القدس، وأن ترتاح من التضحيات التي لا تتوقف، لكي تبني السلام، والمستقبل بأمان، أصافحكم واحدا واحدا، واحدة واحدة، فلكم طول العمر ولمحمود الرحمة".
وبد مراسم التأبين، التي تولى عرافتها الكاتب يحيى يخلف، أقيمت الصلاة على روح الفقيد، قبل أن يلقي الحضور نظرة الوداع الأخيرة على نعش الراحل المسجى في ساحة المقاطعة.

 


وفد كبير من الكتاب والفنانين من الجليل والمثلث يشارك في مراسيم تشييع جثمان محمود درويش في رام الله

 


*الشاعر سميح القاسم يلقي كلمة مركزية في حفل التأبين الرسمي مؤكدًا تواصل الشعب الواحد*

رام الله- لمراسلنا- قام وفد من الكتاب والفنانين من الجليل والمثلث بالمشاركة في مراسم جنازة الشاعر الكبير محمود درويش في رام الله، اليوم الأربعاء. وقد ترأس الوفد الكاتب محمد علي طه، وشارك فيه كل من سميح القاسم ومحمد نفاع ونبيه القاسم وفاروق مواسي ومحمود غنايم وحسين حمزة وعصام خوري ومفلح طبعوني وكوثر جابر وفتحي فوراني وعبد عابدي وعودة بشارات وأمل مرقس ومحمد بكري ونزار حسن وهاني أبو اسعد وسليم ضو.

 


وفي حفل التأبين الرسمي الذي أقيم في المقاطعة، ألقى الشاعر الكبير سميح القاسم، رفيق درب الفقيد الكبير وصوت الجماهير العربية الفلسطينية الباقية في وطنها، كلمة مركزية، مؤكدا أن حياة محمود درويش وغيابه، هما تأكيد تواصل هذا الشعب أينما كان.
وبعد انتهاء المراسيم الرسمية سار أعضاء الوفد خلف نعش الراحل الكبير في مسيرة مهيبة اخترقت شوارع رام الله شاركت فيها حشود غفيرة، حيث انتهت في باحة قصر الثقافة وهناك ووري جثمان الفقيد التراب.

 


وأكد الكاتب محمد علي طه، أن مشاركة جماهيرنا العربية في تشييع جثمان الراحل الكبير هي دليل على الشعور الحميمي بالتواصل بين جزأي هذا الشعب، حيث كان الشاعر محمود درويش ممثلا بارزا وأصيلا لهذا التواصل.   

 

 

سبع سنابل على تابوت درويش، في جنازته الرمزية على أرض البروة

 

البروة- لمراسلنا- شارك المئات من مختلف أنحاء البلاد، في الجنازة الرمزية لمحمود درويش، التي دعت إليها أطرر شبابية سياسية واجتماعية، على أرض قريته المهجّرة، البروة.
وحضر معظم المشاركين في التشييع الرمزي، بملابس سوداء، تعبيرًا عن حدادهم، وحزنهم على الفقيد الكبير، فقيد فلسطين، والشعب الفلسطيني، والشعوب العربية، وشعوب العالم أجمع.
وحمل المشاركون على أكتافهم تابوتًا، لُفّ بالعلم الفلسطيني، وتقدّمت المسيرة سيّارة بثّت قصائد لمحمود درويش، بصوته.
وبعد الوصول إلى المقبرة المهجرة تجمهر الجميع حول النعش ونثروا تراب أرض البروة على النعش. وقامت القنانة سناء موسى بالمشاركة بفقرة غنائية ملتزمة لأشعاره المغناه منها "أحن إلى خبز أمي"، وبعدها عزف ألفرد حجار عزفًا حزينًا على الناي، وقام بعض المشاركين بإلقاء أشعاره. منهم الطفلة حلا نصره من أبو سنان التي ألقت قصيدة أثرت كثيرا بجميع الحاضرين.
يشار إلى أنّه وبحسب وصيته التي تحدث عنها في جداريّته، قام المنظمون بإحضار سبع سنابل قمح ووضعوها على نعشه.

 

مقطع من جداريّة محمود درويش

أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض،
انتظرني في بلادِكَ، ريثما أُنهي
حديثا عابرا مَعَ ما تبقَّى من حياتي
قرب خيمتكَ، انتظِرْني ريثما أُنهي
قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد. يُغْريني
الوجوديّون باستنزاف كُلِّ هُنَيْهَةٍ
حريةً، وعدالةً، ونبيذَ آلهةٍ…/
فيا مَوْتُ! انتظرني ريثما أُنهي
تدابيرَ الجنازة في الربيع الهَشّ،
حيث وُلدتُ، حيث سأمنع الخطباء
من تكرار ما قالوا عن البلد الحزين
وعن صُمُود التينِ والزيتونِ في وجه
الزمان وجيشِهِ. سأقول: صُبُّوني
بحرف النون، حيث تَعُبُّ روحي
سورةُ الرحمن في القرآن. وامشوا
صامتين معي على خطوات أَجدادي
ووقع الناي في أَزلي. ولا
تَضَعُوا على قبري البنفسجَ، فَهْوَ
زَهْرُ المُحْبَطين يُذَكِّرُ الموتى بموت
الحُبِّ قبل أَوانِهِ. وَضَعُوا على
التابوتِ سَبْعَ سنابلٍ خضراءَ إنْ
وُجِدَتْ ، وبَعْضَ شقائقِ النُعْمانِ إنْ
وُجِدَتْ. وإلاّ، فاتركوا وَرْدَ
الكنائس للكنائس والعرائس/
أَيُّها الموت انتظر! حتى أُعِدَّ
حقيبتي: فرشاةَ أسناني، وصابوني
وماكنة الحلاقةِ، والكولونيا، والثيابَ.
هل المناخُ هُنَاكَ مُعْتَدِلٌ؟ وهل
تتبدَّلُ الأحوالُ في الأبدية البيضاء،
أم تبقى كما هِي في الخريف وفي
الشتاء؟ وهل كتابٌ واحدٌ يكفي
لِتَسْلِيَتي مع اللاَّ وقتِ، أمْ أَحتاجُ
مكتبةً؟ وما لُغَةُ الحديث هناك،
دارجةٌ لكُلِّ الناس أَم عربيّةٌ
فُصْحى

الأربعاء 13/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع