عاشقٌ من فلسطين



يموت االعاشق انحناء لمحبوبته.. لكن لا يموت الشاعر ولا شعره، ولا تموت محبوبته. فهذه فلسطين المحبوبة قطفت أزهاراً شتى.. وستقطف من بعدهم .. لكنها ضمت الى حضنها عاشقا ولهانا.. حنينه ازلي وعشقه لها غير عشق الآخرين.. منسوج بخبز البروة ونسائم حيفا.. ورائحة الميرمية من الكرمل.. وكلمات سحرية وخيال متشقق بغبار الاحلام.. ورونق خالد بأزلية كلماته وسحرها.
طن الخبر مدويا، انها صرعة الموت الذي لا ينتظره أحد، فما كان مني الا أن استهجنت وحزنت، أثر الصدمة كلكمةٍ لا تحس بها، تجعلك تحدق بالغيب اللا محسوس، كأن ما من أحد حولك، يغيب الفضاء المملوء بالأشياء ليسكنه فراغ، يأخذك الى متاهةٍ صغيرة، للحظات قليلة، تستعيد فيها ذكريات ما كانت على بالك، ولا أنت تتذكرها.. هي وقع الحدث.. فكان أن تذكرت صفحات الغد التي قرأت منها أشعارًا، وأذكر على وجه الخصوص قصيدة "عابرون بين الكلمات العابرة" التي اقتسمت مع أختها "تقدموا" الصفحتين اللتين انتصفتا ذاك العدد من مجلة "الغد" ايام الانتفاضة الأولى.
ومع رحيل اميل حبيبي، أذكر أنها كانت المرة الأولى التي رأيته فيها، وكانت لهفة أن تسلم سلام اليد على رائد القصيدة والكلمة، فها هي الأيام تدور وتأخذنا، الى سلام آخر ما كنا ننتظره، فتأخذنا لهفة الفراق البعيد.. التي لا نريدها بيننا.. ولا نتوخى قدومها، وقد نكون أقوى منها بحفظ ذكراه، فكلماته باقية ما بقينا.. وحنينه هو عشق الملايين، فأمه تغني لها كل الأوطان ويحلم كل عاشقٍ بمعانقة ريتا، وزهر اللوز وأثر الفراشة كلمات تتناغم في اصوات الصامدين.. الذين وهب لهم كلمات تمشي في مسيرتهم لتمدهم قوة واخلاصاً لقضيةٍ ووطنا وشعبا..
اظن أن كثيرًا من الكلمات التي لم تكتبها ستزج نفسها بين أخوات لها من صنيعك، فكيف لنا أن نستأذنك بعد اليوم.. كيف لنا ان نعرف أين هو الحصان الذي تركته وحيداً.. وقد كنت حريصا الاّ يكون محاصرا، فمدائح البحر وزغبه أقوى من الحصار، لكن كيف لنا أن نهتدي الى الحصان الوحيد الذي تركته من غير وداع..
فهل نسأل الغريبة، أم نسترق ظل المدائح المدوية.. أولنا غير مديح الأوطان في هذا الزمان!!
ستجمعنا بك رام الله، ستجمعنا بعيداً عن الأرقام والسنين، لكنا سننضم الى مسيرتك التي بدأت، ولم تنهها.. فكلماتك الحان ووقود للهب لا يطفأ، سننضم الى مسيرة بناء جيل وشعب لا يساوم على حقه، يبدع اثباتاً أنه جبار ورائع، كما أنت، عاشق تراب بلاده.. قابع.. رغم كل الأقهار.. وحيدا في أحزانه.. فائضاً في عشقه وحبه.. الحاناً وأشعار
ها هي حكاية أخرى سنقصها على الراجلين.. عن أيامك في حيفا.. وعشقك لها.. فكان الجميع يتحدث بلهفةٍ عن رؤيتك في حيفا، بقيت فيها خالدا في شوارعها وأزقتها التي عرفتك، وذكرياتك في الاتحاد، فأذكر يوم زيارتك الأولى العديد من الذين حدثوك عن ايام الاتحاد ذاك من كان يصنع الكلاشيه وذاك من كان يأتيك بالأوراق وآخر أخ فلان الذي كان معك يوم... ستتقلب الذكريات.. وأنت هناك في سرك ستسمعنا.. الى أن نعود ويعود العائدون من بيروت التي ستناديك عبر موج البحر الذي سيقله نسيم بحر حيفا اليك.. يا عاشق فلسطين الأبدي..

 

مرورا كالكلمات العابرة
مع زهر اللوز
متناثراً على سرير الغريبة
متتبعاً أثر الفراشة
خالداً في الضمائر الحية
مديحك ظلٌ عالٍ
فأين تركت الحصان وحيدا..

شادي خليلية
الثلاثاء 12/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع