هناك، حيث "الأرض تطير وترقص". وهنا حيث تكون علامة الإستفهام الأولى: لَمْح البَصَر!، خطف الكلام باري لغته. إذن، أنت، محمود درويش، منذ الآن، غيرك. لك الأسماء الحسنى والنعوت. ولك أن تكون، كما تكون، خاتم الشعراء!
لا هناك سوى هنا. كانت حيفا بانتظار عاشقها، نادته فنادى عليها ومنحها معناها وأشكال وعيها. في البدء كان الكرمل. وكان محمود، في شارع الخوري وفي "الإتحاد" وفي "الجديد" وفي السجن وفي المهرجان وفي المظاهرة.
لا هناك سوى هنا. فصار محمود قامة شعرية يقدم قصيدة تخصه وتجربة شعرية متكاملة. فمن قتل الشاعر؟. المشكلة ليست في القلب، بل في القبيلة. "لولا الحياء والظلام، لزرت غزة، دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبي سفيان، ولا أسم النبي الجديد. ولولا ان محمدًا هو خاتم الأنبياء، لصار لكل عصابة نبيّ، ولكل صحابيّ ميليشيا". لقد قتلته الفضيحة، بعد أن رسم الوطن وغنّى له، إلى أن اعترف: "كم كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء".
يا صاحب الإضافات وسيد الكلمة. لم يحن الوقت لتترجّل عن حلمك – حلمنا. حيفا نائمة حالمة بيوم آخر. ألا تسمع صوت البحر الآن؟. إنه هائج. "والآن، وأنت مسجى فوق الكلمات وحيدًا، ملفوفًا بالزنبق.. أدرك ما لم أدرك: إن المستقبل منذئذٍ، هو ماضيك القادم". وماضيك هو ماضينا وهو مستقبلنا.
لا أظنك الآن "في حضرة الغياب". لا أظن. فأنت صاحب النبوءة الأولى: "حاصر حصارك لا مفر"!.
رمزي حكيم
الأحد 10/8/2008