نوغا كدمان... على جانبي الطريق وهامش الوعي



هذا هو عنوان الكتاب الجديد للباحثة الاسرائيلية التقدمية "نوغا كدمان"، اما العنوان الثاني لهذا الكتاب فهو: "تهميش القرى العربية المهجرة عام 1948 عن الحوار الاسرائيلي"، صدر الكتاب حديثا باللغة العبرية. وهو حري بالدراسة والترجمة للغتنا العربية لاطلاع القارئ العربي على الممارسات الاسرائيلية لطمس الهوية الفلسطينية ولتصور الموطن الفلسطيني بصورة مشوهة، كأنه صحراء قفراء، فأتت الحركة الصهيونية لتعمر الخراب واليباب.
يزخر هذا الكتاب بسيل من المعلومات، الاحصائيات، الحقائق، البراهين والممارسات الاسرائيلية العنصرية على الاراضي الفلسطينية، وضد ابناء هذا الشعب العزل، وذلك برؤية حيادية عقلانية، بعيدا عن الغوغائية الاسرائيلية المعهودة، بعيدا عن التحريض على كل ما هو عربي، بل لفضح الموبقات قبل ان نطوف بين فصول هذا المرجع الهام، نتوقف للحظات مع ترجمة المؤلف المقدامة، كما تسجلها بنفسها على غلاف كتابها هذا:
نوغا كدمان من مواليد القدس 1969، تمارس منذ سنوات عديدة الاطلاع على الزوايا المختلفة المتعلقة بحقوق الانسان وقضية النزاع الاسرا-فلسطيني، من خلال الدراسة، البحث والتطوع، تحمل اللقب الجامعي الثاني من جامعة غوتبرغ/السويد، موضوع رسالتها: دراسات السلام والتطوير. صدر الكتاب عن دار النشر نوفمبر، ضم خمسة فصول، بالاضافة الى: صور لمواقع فلسطينية، ملحقات وثبت المراجع، عدد الصفحات 176 صفحة من القطع المتوسط.

 

* مسح عام *


من بين المواضيع التي طرقتها الكاتبة في دراستها هذه نشير الى:
افراغ القرى الفلسطينية من سكانها، هدمها وتوطين اليهود على انقاضها، نشوء اللجوء الفلسطيني، مصادرة الاملاك الفلسطينية، اطلال القرى بعد عشرات السنين.
الفصل الثاني يتحدث عن المواضيع: الهوية الوطنية، النزاع القومي، المساحة والذاكرة في العقيدة الصهيونية، اقامة المستوطنات الزراعية، غرس وتحريش، حماية الطبيعة، صيانة اثريات ومواقع تاريخية.
اما الفصل الثالث فقد تحدث عن ايجاد تسميات جديدة للمواقع الفلسطينية المهجرة لطمس الاسماء والذاكرة الفلسطينية، حملات دعائية لمحو الاسماء العربية وتجذير الاسماء العبرية الجديدة.
الفصل الرابع تناول المواضيع التالية: القرى العربية المهجرة في المحميات والمتنزهات، بعض المعلومات عن القرى وسكانها عبر التاريخ، القرى كجزء من الطبيعة، حرب 1948  وإفراع القرى من سكانها.
في الفصل الخامس يدور الحديث عن مواضيع:
الحوار الداخلي في القرى العبرية المقامة على انقاض العربية المهجرة، كيف تذكر القرى العربية، تاريخها وافراغها، المستوطنات العبرية ترث القرى العربية، تهويد القرى، تغيير الطبيعة واعمار القفار، الحديث عن السكان الاصليين، الصراع مع الذات والتردد عن المسكن في القرى المهجرة، بقايا الماضي ونظرة الى المستقبل. هذا الى جانب عدة ملحقات، خرائط وصور ناطقة، تعيد الى الذاكرة ما كان في هذه الديار قبل ستين عاما.

 

* مقتطفات عينية


للدلالة على عمق المأساة/النكبة، والنظرة الفوقية التي نظر بها زعماء الحركة الصهيونية قبل قيام دولتهم وبعد ذلك. حيث الكذب، التزوير، ذر الرماد في العيون، الحجج الباطلة وافتعال الاحداث والاعتداءات اليهودية على القرى العربية، نقتبس بعض ما دونته الكاتبة في مرجعها هذا، طبقا لمقولة: من فمك اُدينك، ويكذبون الكذبة فيصدقونها:
حاييم وايزمن اول رئيس لدولة اسرائيل قال عام 1914: "توجد بلاد، بالصدفة اسمها الديار الاسرائيلية، لا يوجد بها شعب، وبالمقابل يوجد الشعب اليهودي الذي لا ديار له، المطلوب عقد قران هذا الشعب على هذه الديار. ص37
دافيد بن غوريون اول رئيس لحكومة اسرائيل قال عام 1948: "لم يبق امام عرب اسرائيل سوى مهمة واحدة هي الهروب" ص17.
اما غولدا مئير وزيرة الخارجية عام 1957 فقالت: "خُرب القرى العربية، الحارات العربية او البنايات الخالية منذ عام 1948، تثير التداعيات الصعبة وتسبب لنا الضرر السياسي الكبير، في السنوات التسع الماضية، لقد ازلنا الكثير من الخرب الا ان ما تبقى ما زال ماثلا للعيان وهذا يناقض تماما المناظر الجديدة التي نصبو اليها. ص 30
الشاعر العبري حاييم حيفر كتب عام 1948: "سنجلب الدمار الى قرى العدو/ باللغم والبارود والفتيل/ مهمة ليست وحيدة ستحلق عاليا/ حين يقوم المدمِّر بمهمته. ص27
وفي قصدة اخرى لهذا الشاعر يتغنى بها بأمجاد الكيرن كييمت يقول ص 41،غابة الكيرن كييمت بقعة خضراء على ارض قفراء/ غابات هي علامات فارقة/ غابات هي قيمة سياسية/ الارض القفراء اصبحت خضراء للاستجمام والعائلات.
ميروم بنبشتي كتب عام 1988: علمونا حين نتجول في الصحراء بأننا نحتل بأرجلنا الجبال، الوديان والشوارع، ومسارب الصحراء ستتحول الى يهودية حين تمر فوقها عربة اسرائيلية. ص 47
اسحاق بن تسفي ثاني رئيس لدولة اسرائيل كتب عام 1949: في امريكا ابقوا قرائن لأسباط الهنود الهامة، او للاسباط التي تعيش هناك فعليا، الامر هنا يختلف، لا تربطنا هنا اية صلة لأية قبيلة بدوية صغيرة، بامكاننا ان نتعامل مع الاسماء العبرية هنا. ص 51
وعودة اخرى الى دافيد بن غوريون حيث قال:
علينا ابعاد الاسماء العربية لأسباب سياسية، لأننا لا نعترف بالملكية السياسية للعرب في هذه الديار، كذلك لا نعترف بملكيتهم الروحية وبأسمائهم. ص52
المنظّر ابراهام بيرم قال عام 1952: "هذه هي رسالتنا: تهويد الاسماء، وطبقا لذلك علينا ان نعمل، ص55
لجنة الاسماء التابعة لشركة كيرن كييمت كتبت عام 1949: اذا كان الاسم العربي لا يشير الى اصل عبري تاريخي، فان لجنة الاسماء لن تأخذ بعين الاعتبار الاسم العربي، ومهمة اللجنة ايجاد اسم جديد من الذاكرة او اسم رمزي. ص58

 

* قرية سعسع كنموذج


418 قرية وتجمع سكاني عربي فلسطيني جُمر، هجر، رحل، اُبيد وحُيّد عن الذاكرة الاسرائيلية التي عبرنت وهودت كل ما هو عربي في هذه الديار. الكاتبة التقدمية تأتي على ذكر هذه المواقع وما جرى في معظمها من مجازر، بطش، ارهاب، تهجير، تجويع، تطفيش ومصادرة، ولأننا نود الاختصار، فنشير الى قرية سعسع الجليلية (قضاء صفد) كنموذج واحد لمئات القرى الفلسطينية وما حل بها وبأهلها، وما ينطبق على هذه القرية، ينطبق على كافة قرانا المهجرة.
ص20 حديث عن المجازر التي اركتبتها اسرائيل في قرى: الدوايمة، سعسع، صلحة، والصفصاف. ص 100 في السنوات الاولى لكيبوتس ساسا (سعسع ن.ن)، كانت بيوت عربية كثيرة، كبقايا من قرية سعسع. ص 102 في قريتي سعسع وصلحة حتى عام 1948 عمل الرجال في مزارعهم ورعوا قطعانهم، ربات البيوت خبزن الخبز.
الضحك والبكاء لدى ابناء الآخرين سُمع في سعسع قبل سنة. ص105 قرر سكان كيبوتس ساسا ان يبنوا بيوتهم من الحجر، من بقايا البيوت العربية المهدومة في سعسع وما جاورها من قرى. ص109: بعيدا في تاريخنا الفاخر سكن اليهود في سعسع، وطيلة مئات السنين سكنها العرب، والآن عادت لتكون عبرية طيلة مئات السنين القادمة. ص111 اعترف سكان ساسا بان قريتهم لم تكن خاوية، بل سكنها عرب من قبلهم، وفضلوا ان يبنوا بيوتهم ليس على انقاض بلدة سعسع. ص115 في احد الايام كنا في عين البدية، شاهدنا فلاحين في الاراضي اللبنانية، خاطبونا بالعبرية، اتضح لنا انهم من سكان سعسع سابقا، سألونا ماذا تبقى من سعسع اليوم، كان حديث مهم وحرج ولم نشعر بالراحة. ص120 تألمنا حين هدم الجيش مسجد سعسع وكان نقاش حاد بيننا، من خوّلنا ان نقطف ثمار اشجار لم نغرسها، ونسكن بيوتا لم نبنها ونستغل ارضا ليست لنا. وهنالك شهادات اخرى لاعضاء كيبوتس سعسع (ساسا) حول استيطانهم في هذه القرية بالذات.

 

* صور واطلال


في مراجعة هذا الكتاب الهام، الموئق بالصور والارقام، المذهلة موعن التهجير والمجازر والاملاك المنقولة وغير المنقولة تشير الى بعض الصور المعبّرة:
الغلاف الاول: هو صورة لأطلال بلدة بيت دراس الواقعة بين اسدود وعسقلان، الغلاف الداخلي الاول بنات الصبار ما زال شاهدا في بلدة المزار (الكرمل، صفحة 99 ما تبقى من بلدة المالحة في جوار القدس العربية، بعدها بركة سطف المقدسية، النبي روبين في الجنوب، مقبرة الكويكات قضاء عكا. ثم مقام الطنطورة على الساحل ومسجد قيسارية ثم مقام النبي يوشع قضاء صفد. وعودة الى اطلال الطنطورة، ومسجد قرية الزيب على الساحل الشمالي، ثم اطلال كفر برعم في الشمال وبيوت عين حوض جنوبي حيفا ومعز الخيط (مغر الدروز) في الحولة. ثم مقام الولي (عبد الحق) في قرية عين غزال جنوبي حيفا. وخربة الظويهرية في المركز.
هذا الى جانب الخرائط التي تشير الى موقع كل قرية فلسطينية مهجرة وكيفية التهجير القسري بالحجج الداهية اياه: قرية عدوانية، آوت المخربين، تشكل خطرا استراتيجيا وغير ذلك.
البروفيسور اورن يفتح إيل من جامعة بن غوريون في النقب قال عن الكتاب هذا: "ان دراسة نوغا كدمان هذه هي طلائعية هامة، لأنها تبحث ظاهرة جغرافية، سياسية ونفسية مثيرة تلقي الضوء على الاجهزة التي بواسطتها تمحى المنطقة العرقية وتستبدل بأخرى. دراسة كدمان تضم الى دراسات قليلة تشير بشجاعة الى محاولة نفي يومية للتهجير الفلسطيني". كما يقتبس هذا البروفيسور اقوال الكاتب الراحل (س. يزهار) صاحب قصة خربة غزعة والقائل ص 10، ان تسير مضللا فاتح العينين وتنظم علانية الى طائفة الكاذبين الكبرى العامة المصنوعة من الجهل، عدم المبالاة المصلحجية وانانية دون خجل، لتحويل الحقيقة الساطعة دون اهتمام مصطنع من قبل مخالف للقانون ذي اقدمية.

 

* جداول وملحقات

وضع هذا الكتاب بصورة علمية مع الاشارة الى المراجع، المصادر، المستندات: العربية، العبرية والاجنبية، مع الاشارة الى كتاب د. وليد الخالدي (لكي لا ننسى) مسح شامل لهذه القرى طبقا للترتيب الابجدي وورود ذكرها في صفحات الكتاب.
- هنالك فهرس للقرى الفلسطينية الواقعة ضمن احراش الكيرن كييمت وعددها 88 قرية
- وقائمة اخرى للقرى المهجرة الواقعة ضمن حدائق سلطة حماية الطبيعة وعددها 87 قرية
- قائمة قرى واقعة في مواقع سياحية اخرى وعددها 6 قرى
- قرى عربية واقعة في مسارات رحلات وعددها 9 قرى
- قرى عربية اقيمت على انقاضها مستوطنات يهودية وعددها 19
- قرى عربية واقعة ضمن مسطحات مدن اسرائيلية وعددها 64 قرية.
وعلى سبيل المثال في مسطح مدينة تل ابيب توجد 5 قرى عربية هي: الشيخ مونس، جريشة، جماسين الغربي، المسعودية (صميل) وسلمة.
وفي مسطح مدينة القدس العبرية توجد 4 قرى عربية هي: لفتا، دير ياسين، عين كارم والمالحة.
وفي مسطح مدينة الخضيرة توجد 3 قرى عربية هي: عرب ظهرة الدميري، عرب الفقرا، ورمل زيتا. وفي عسقلان توجد 3 قرى عربية هي: الجورة، الخصاص ونعليا
- قائمة قرى عربية محاذية لمستوطنات يهودية وعددها 23 قرية
- قائمة باسماء القرى العربية التي استبدلت اسماؤها باسماء عبرية جديدة وعددها: 41 قرية
- قائمة باسماء القرى العربية التي حافظت على اسمائها لأنها قريبة من العبرية وعددها 68 قرية
- قائمة قرى عربية ترجمت اسماؤها الى العبرية وعددها 7 قرى
- قائمة باسماء غير رسمية لقرى عربية مهجرة وعددها 62 قرية
حقا هذه القوائم زاخرة بفيض من المعلومات الهامة، علما بان المؤلفة تشير الى انها لم تصل بعد الى الحقيقة الكاملة في محاولات تهويد الذاكرة والمنطقة. ص14

 

* خاتمة المطاف


بعد هذه الجولة الخاطفة، المؤثرة، المؤلمة والحزينة مع هذه المواقع والاطلال العربية التي ما زال بعض صبارها، عنبها، تينها، زيتونها، لوزها وانقاضها او ما تبقى من بيوتها المأهولة حينا والمهجورة حينا آخر. بودنا ان نشد على يدي هذه الباحثة الجريئة، الشجاعة والمقدامة، حيث وضعت النقاط على الحروف، ولتسمع كلماتها من به صمم، مع الاعتذار لشاعرنا الكبير ابي الطيب المتنبي.
اننا نهيب ونقول لمؤسساتنا العربية في الداخل والخارج معا وبشكل خاص لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، لجمعية ذاكرات، لجمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب، اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية وغير ذلك من المؤسسات والمنظمات التي تعنى بشؤون المهجرين الحالمين بالعودة، ان هذا الكتاب حري بالترجمة الى لغتنا العربية، ليكون في متناول يد الجميع، خاصة اولئك الذين لا يجيدون العبرية، وبشكل خاص الى جيل الشباب حامل الرسالة ليتعرف على هذه النكبة التي حلت بأبناء شعبنا العربي الفلسطيني.
كاتب هذه السطور يعرب عن استعداده لترجمة هذا الكتاب، حسنة لوجه الله، دون مقابل، اذا وجدت الهيئة العربية التي تأخذ على عاتقها نشر هذا الكتاب، الوثيقة التسجيلية الدامغة.
مرة اخرى تحية صادقة للمؤلفة الصادقة التي لم تنسق خلف الدعاية الاسرائيلية المضللة، وما بتروح دينة وراها مطالب!!

مراجعة: نمر نمر
السبت 9/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع